يعيش المجتمع المصري هذه الايام حالة جديدة من الانتعاش السياسي .. والاحداث التي تعد بجميع المقاييس طفرة في طريق تحول ابناء المحروسة الي الممارسة الديموقراطية الحقيقية .. وبالمصادفة جاءت انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر بعد ايام قليلة من اعلان نتائج فرز اصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة الفرنسية.. هذان المشهدان المتشابهان فرضا اجراء مقارنة بسيطة بين علاقة الدراسات والاستطلاعات بنتائج الانتخابات في الدولتين .. بنظرة بسيطة علي الاوضاع في فرنسا نجد ان نتائج مراكز الاستطلاع هناك اوضحت فوز المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند بالرئاسة في فرنسا متغلبا علي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل اعلان النتيجة النهائية وبفارق ضئيل وقد اشارت تقديرات أربع مؤسسات كبري لاستطلاع الرأي وقتها الي فوز هولاند بما نسبته 52 ٪ بينما حصل ساركوزي علي 48٪. ثم جاءت النتيجة الرسمية لتعلن فوز هولاند وحصوله علي 51.9 ٪ من الاصوات .. اما في مصر فقد خرجت العديد من الاستطلاعات التي تشير الي فوز مرشح بعينه في سباق الرئاسة المصري كان اخرها الدراسة التي اصدرها مجلس دعم واتخاذ القرار تحت عنوان " من الاقرب للفوز بالسباق الرئاسي " ..و جاءت نتائجها لتعلن فوز الفريق احمد شفيق بنسبة تصويت 12٪ من حجم العينة البحثية وبفارق 1٪ عن عمرو موسي ثم ابو الفتوح وحمدين صباحي ومحمد مرسي وحصل كل منهم علي نسبة 7٪ .. وهنا يبرز السؤال هل يمكن الاعتماد علي نتائج الدراسات البحثية الاستقصائية في مصر لتعطي لنا مؤشرا واضحا عن نتائج العملية الانتخابية كما حدث في فرنسا .. ابدي خبراء الاعلام والسياسة برأيهم حول هذه القضية في حين ستحمل النتائج الرسمية القول الفصل في تجربة الاستبيانات والدراسات الاستقصائية في مصر . في البداية يقول د. عصام فرج استاذ الاعلام بالجامعات المصرية ان هناك مجموعة من المعايير التي يتم علي اساسها الحكم علي بحوث الرأي العام ومدي مصداقيتها وموضوعيتها ..اول هذه الشروط ان يوضح البحث او الدراسة المنشورة طبيعة الجهة التي قامت بتمويل هذا الاستطلاع .. والمعيار الثاني معرفة الجهة التي تقوم باجراء الدراسة الاستقصائية ، ومعرفة العينة التي تم اجراء البحث او الاستبيان عليها، والمعيار الرابع توضيح التاريخ الزمني الذي تم فيه اجراء استطلاع الرأي .. وللاسف لاحظنا - والحديث للدكتور عصام فرج - ان الكثير من الابحاث المنشورة خلال الفترة السابقة لم تراع هذه المعايير او بعضها علي الاقل وبالتالي يكون الحكم علي نتائجها بأنها خاطئة او تفتقد الي قدر كبير من الموضوعية والمصداقية .. ويشوبها الكثير من المحاذير العلمية في طريقة اتمام هذه البحوث ..كما ان دول العالم المتقدم والتي تتميز باجراء استبيانات علي درجة كبيرة من الصحة تكون مستقلة ولا تتبع أيا من الجهات الحكومية بل تتبع جهات ومراكز علمية مستقلة ومتخصصة في هذا الشأن .. وكان الاولي بجامعاتنا المصرية ان تكون هي الجهة التي تتولي اجراء مثل هذه الابحاث والدراسات الاستقصائية ولكن للاسف يبقي المال اللازم للقيام بمثل هذه التجارب عقبة اساسية امام تولي الجامعات لمثل هذه المسئولية . ويؤكد د. عصام فرج ان الاستبيانات الكثيرة التي خرجت وتم نشرها علي الشبكة العنكبوتية - الانترنت- لا يمكن اللجوء الي نتائجها او الاعتماد عليها ، حيث انه يمكن لشخص واحد الادلاء برأيه او التصويت لاكثر من مرة ، ولا توجد اداة ضابطة لمثل هذا الامر او قوانين تحكمه. تجربة وليدة وفي الوقت الذي تتوافق د. ليلي عبد المجيد عميد كلية الاعلام جامعة القاهرة مع سابقها في تحفظها علي استطلاعات الرأي المنشورة علي الانترنت ، تؤكد انه لكي يتم التوصل الي نتيجة بحثية تتوافق او تتقارب مع الواقع فلابد من تواجد مراكز بحوث معتمدة تمتلئ بباحثين متخصصين علي مستوي عال يتم فيها تحديد العينة وخصائص المبحوثين بشكل واضح ، ومع ذلك تشير ايضا إلي انه في اعرق المراكز البحثية في العالم قد تأتي نتيجة الانتخابات غير متوافقة مع الاستبيانات ، فالناخب الذي يدلي برأي معين في الاستبيان من الوارد جدا ان يغير رأيه في اية لحظة بناء علي تصرف معين يقوم به احد المرشحين او حدث يظهر فجأة او غيرها من المعطيات التي قد تؤثر في رأي الناخب .كما انه لا يمكن لرأي 2000 مبحوث ان تؤكد علي نتيجة معينة تتوقف علي اراء 50 مليون مواطن .والصندوق هو من يقرر. وتري د. ليلي عبد المجيد ان المشهد السياسي المصري بما يتضمنه من احداث متلاحقة واستقطاب سياسي شديد ومناظرات ومواجهات جعلت من الصعب الاشارة الي وجود نتيجة معينة او التوقع بجدية حول فرص او حظوظ فوز احد المرشحين والارتكان الي ذلك .. قد تكون الدراسات التي تم اجراؤها في الفترات السابقة ذات دلالة ما ولكنها ليست الواقع . وأضافت أن التجربة الديموقراطية جديدة علي المجتمع وبالتالي فإن كل اشكالها وما يتبعها من مظاهر هو امر ايضا جديد ومستحدث ، وبالتالي فاننا مسرورون بهذه التجربة الوليدة ومن اهمها اجراء الاستطلاعات ويجب دعم مثل هذه المظاهر والوقوف وراءها لان استمرارها يعني لها التطور وارتفاع مؤشرات النجاح من تجربة لأخري . وتتمني د. ليلي عبد المجيد ان يتم تعميم الاستبيانات والدراسات الاستقصائية علي كل ما يهم المواطن في شتي مجالات الحياة وان يتم الاهتمام بها علي كافة المستويات والقضايا. تأثير الاستبيانات ولكن هل يمكن ان يؤثر نشر نتائج الابحاث علي الفئات التي لم تحدد توجهاتها حتي اللحظات الاخيرة .. يجيب عن هذا السؤال د.اكرام بدر الدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة فيقول انه بالفعل قد يصعب الاعلان عن نتائج الابحاث في صالح مرشح بعينه ولكن ليس بالقدر الكبير.. لأن هناك الكثير من العوامل الاخري التي تشكل اسبابا قوية في توجيه رأي الناخب مثل انجازاته واعماله سواء كانت ايجابية او سلبية .. كما ان هناك فئة كبيرة من الجمهور الذي حدد وجهة صوته الانتخابي بناء علي معتقداته الخاصة. نتائج مسيسة وحول مدي امكانية تسييس الاستبيانات والبحوث التي تم اجراؤها لصالح مرشح بعينه يري اشرف الدعدع خبير المعايير الدولية باليونسكو ورئيس مؤسسة الانتماء الوطني لحقوق الانسان ان هذا الامر وارد وبقوة فالنتائج التي تم الاعلان عنها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك انها مسيسة بل هي مدفوعة الاجر ايضا ويظهر هذا بوضوح في تبعية المراكز التي قامت باجرائها من ناحية والنتائج التي جاءت مخالفة لتوجه قطاع عريض من الشعب ، ويري انه من الصعب وايضا من الظلم مقارنة الابحاث التي تجري في الولاياتالمتحدةالامريكية ودول الاتحاد الاوروبي بما يحدث عندنا ، فالجهات التي تجري هذه الابحاث هناك تتمتع بقدر كبير من الحيادية والموضوعية وليس لديها اي رغبة في التأثير او توجيه الرأي العام . وان كان الوضع في مجتمعنا قد تغير بعض الشيء بعد الثورة الا ان الامر يتطلب عبور العديد من العقبات والتحديات حتي نصل الي المستوي الذي يجعلنا نقف علي قدم المساواة مع مثل هذه التجارب العالمية.