هذا الأسبوع أصدرت الدار المصرية اللبنانية مجلدا رائعا يحوي مختارات قصصية للكاتب الكبير عابر الزمان والمكان سعيد الكفراوي بعنوان «زبيدة والوحش». قام بتصميم الكتاب ورسومه الفنان الرائع عمرو الكفراوي، إبنه وهدية سعيد الرائعة إلي الفن. في يوم ما. أظن أنه عام 1970 كنت أقف في محطة الرمل بالإسكندرية فرأيت ثلاثة شبان يقفون في دهشة من يري المكان لأول مرة. كنت رأيت صورة أحدهم في مجلة أدبية. كان هو محمد المنسي قنديل. تقدمت إليهم مبتسما. هم لم يروني من قبل. صافحت محمد المنسي قنديل مقدما نفسي. وجدت الفرح علي وجوههم. كنا نشرنا بعض القصص قي أحسن المجلات المصرية والعربية.عرفت أن الآخرين هم سعيد الكفراوي وجار النبي الحلو. باعدت بيننا الأيام لسفر المنسي سنوات طويلة إلي الدول العربية ولاختفاء جار النبي في بلدته بالمحلة فصرت أراه بين العام والعام. لكن سعيد الذي ترك قريته وعاش في القاهرة وسافر أيضا وعاد لم ينقطع عني ولم أنقطع عنه. لم أر في حياتي شخصا ينهض ليقدم الخير للناس عملا أو غير عمل مثله. كنا جميعا نكتب القصة القصيرة فهي التي كانت سريعة النشر. انتقلت أنا إلي الرواية التي كتبتها قبل القصة ولم أنشرها. وكذلك فعل المنسي قنديل وجار النبي الحلو وظل سعيد مخلصا للقصة القصيرة. صارهو ومحمد المخزنجي علامتين كبيرتين في الإخلاص للقصة القصيرة. محمد المخزنحي أيضا غاب طويلا وعاد وابتعد عن الوجود بين المثقفين لكن ظلت أعماله فوق السحاب. سعيد ظل رفيق الخروج إلي منتصف البلد ومقاهيه التي عشقناها. كتب سعيد إحدي عشرة مجموعة قصصية وكتاب سيرة لأيام قضاها تحت المرض بمستشفي ناصر من أجمل ما يكتب. ظلت قصص سعيد فرائد در نادر. فسعيد لم يعن أبدا بقضايا يومية أو حياتية منظورة. كل أبطاله يبحثون عن مصير للنجاة من المجهول فيقتربون من الموت. يبدو الموت نهاية العالم حقا لكنه نهاية رائعة. خالية من الصراخ والعويل. كل أشخاصه غرباء فهم غير اعتياديين رغم بساطتهم وقلة علمهم. هم عيال الله يبحثون عنه. يبحثون عن الطريق إليه. الموت لايرعبهم بل يكاد يكون تجليا للجمال المطلق. يلعبون معه. سعيد لايكف عن الضحك. لا يحب أبدا الدخول في معركة ثقافية أو غير ثقافية مع أحد. «الله يسهله» هي شعاره الذي أحبه وكثيرا ماهدأت به روحي أنا. قصص الكفراوي أيقونات علي جدران محلات العاديات فهي مثل الآثار التي لا تجدها إلا بالمنجمين من خارج الزمن. قصص موصولة بتصوف نادر في روح أصحابها. ترجم كثير منها إلي لغات متعددة ونشرت له مجموعة مختارة إلي الفرنسية ومجموعة مختارة أخري إلي الإنجليزية. جاء زمن الرواية وظل سعيد في ملكوته مع القصة. تماما كشخصياته في وحدتها مع الملكوت! وخالق الملكوت الذي يستطيع أن يخليه من البشر. سعيد العابد في معبد الأبد والمنتهي لم يحصل علي أي جائزة من وزارة الثقافة وهو جدير بأكبر الجوائز. لا يعلق ولايهتم إلا بأن يكون سعيدا قانعا فعالمه الأعظم هو شخصياته.هل هناك أعظم من صداقة المطلق ؟ الحياة أمل باسم في النهاية التي تنتظر الدنيا ومن عليها والله الذي خلقنا لنرجع إليه. شكرا للدار المصرية اللبنانية علي هذه الطبعة الفاخرة لمختارات كبيرة من أعمال سعيد الكفراوي القصصية التي تتوق بشخوصها إلي سدرة المنتهي. أطال الله عمرك ياصديق العمر الذي جعلته دائما جميلا ولم يكن كذلك أبدا. جعلت كل شقاء جميلا. أقلب في قصصك الرائعة الآن فأري كيف جعلت الدنيا جميلة ياسعيد.