د. رفعت سىد أحمد هذه هي الحقيقة الصادمة؛ فمن »عمر سليمان« إلي »خيرت الشاطر«، ومن »عمرو موسي« إلي »أبو الفتوح« وحتي تصل إلي رقم 32 من المرشحين لرئاسة مصر، لا نجد في برامج هؤلاء بنداً واضحاً قاطعاً يوضح العلاقة مع الكيان الصهيوني، طبيعتها، ومستقبلها، بعد ثورة أزالت من الوجود »الكنز الاستراتيجي لإسرائيل« وفقاً لتصريحات مسئوليها، ونعني به هنا الرئيس السابق »حسني مبارك«، الجميع من هؤلاء المرشحين، وبلا استثناء واحد، يقدم كلاماً عاماً، ومواقف مائعة، لا أحد يقترب من القضية اقتراباً صحيحاً، فاهماً، لخطورتها، خاصة علي مصر ما بعد الثورة. إن »الغياب« الإسرائيلي عن برامج المرشحين للرئاسة، يستدعي تأملاً عميقاً وتحذيراً أكثر عمقاً، ودعونا نسجل ما يلي بشأن هذا الغياب عله يفيد: أولاً: من المؤكد أن قضايا مصر الداخلية، تأتي أراد المرشحون للرئاسة أو لم يردوا علي رأس الأولويات لديهم إلا أن فهم طبيعة العلاقات التي كانت تربط رأس النظام السابق بالكيان الصهيوني، وتداخلها مع شئون مصر الداخلية، تؤكد أن ثمة تواصلاً، وتأثيرا متبادلاً بين الأمرين، ويخطئ من يحاول تصور أنهما منفصلان، وأن ما يسمي بالأولوية لقضايا الداخل منفصلة عن قضايا الخارج الطامع أو الغاضب من الثورة، هو من قبيل الأوهام؛ وتل أبيب، ومعها واشنطن، هي أول من يدرك هذا، ولذلك هي تعمل بكل أدواتها السياسية والمخابراتية والاقتصادية علي اختراق مصر واستمرار تركيعها تحت ذلك الخيار البائس عديم الفائدة المسمي بخيار »كامب ديفيد«، إنها أي إسرائيل تتدخل في كل شئون مصر بعد الثورة، فلماذا لا يفهم المرشحون للرئاسة هذا الأمر ويتجاهلونه وكأنه لا وجود أو تأثير لإسرائيل في قضايا الوطن، رغم أنه التأثير الأكبر والأخطر منذ 52 يناير 1102 وحتي يومنا هذا كان من تل أبيب وواشنطن؟! »ويكفي أن تعلم أنه قد تم ضبط 7 شبكات تجسس إسرائيلية في العام الماضي وحده وأن أغلب صراعاتنا الداخلية والفتن المتأججة سببها الأصابع الأمريكية والإسرائيلية والشواهد عديدة!!«. ثانياً: في تقديرنا أن ما يسمي بالنفاق السياسي، أو البراجماتية السياسية هي السبب الرئيسي في ابتعاد برامج أغلب المرشحين عن ذكر إسرائيل وخطرها المدعوم أمريكياً، بل والإصرار منهم علي إعلان بدون لزمة!! تمسكهم بكامب ديفيد، رغم أحقية مصر في تعديلها بل وإلغاؤها وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية خاصة في البلاد التي تحدث بها ثورات. إن إرسال رسائل الطمأنينة لأمريكا التي مفتاحها »تل أبيب« ظل هو الهاجس الأول لأغلب المرشحين للرئاسة، وليس مصلحة الشعب، وأمن مصر والتزاماتها الدولية كما يدعون. ثالثاً: في ظني وليس كل الظن إثم أن الواجب الأخلاقي قبل الوطني للمرشحين الذين قدموا أنفسهم باعتبارهم مرشحين لمصر ما بعد الثورة عليهم أن يعلنوا وبوضوح، وبلغة حازمة، أنهم »مع أو ضد« استمرار هذه العلاقات مع إسرائيل كما كانت في عهد حسني مبارك، حتي يعلم الناس مواقفهم ويبني الرأي العام تصوراً واضحاً عن مستقبل بلاده، وهل هو مستقبل بإرادة وطنية مستقلة وقرار سياسي حر، أم هو مكبل بذات القيود والاتفاقات التي تؤثر علي التنمية والحريات في الداخل بأكثر مما تؤثر علي قضايا الخارج؛ ومن حق الشعب المصري الذي قام بثورة نبيلة ورائعة أن يجني ثمار ثورته في حماية صحيحة لأمنه القومي بعيداً عن القيود المذلة للمعونة الأمريكية المرتبطة شرطاً باتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل.. تري متي ينطقون؟ ومتي يكون »المبدأ« وليس البراجماتية السياسية هو الأساس الأخلاقي لمن يتصدي للعمل العام؟.