وقفت امام غرفتها في المستشفي في انتظار انتهاء زيارة الطبيب وطاقم التمريض لها حتي استطيع ان ادخل لاطمئن عليها.. فقد تحملت عذاب المرض ثلاث سنوات كاملة وانا اعلم انها بطبيعتها صبورة وحمولة الي اقصي درجة! وامام الغرفة كانت الفنانة كوثر شفيق تعيد نفس دورها الصغير في فيلم »الوسادة الخالية« حينما كانت تزور عبدالحليم يوميا اثناء مرضه ضمن حوادث الفيلم ومعها »جوزين فراخ«.. ولكنها الآن تقوم بدور كبير وهام حيث انها لم تفارق صديقتها الحميمة لحظة واحدة قبل واثناء المستشفي وبدون »جوزين فراخ«.واخذت اتذكر بداية المشوار الطويل من الفن الجميل لتلك الفنانة العظيمة.. البداية كانت مع رمسيس نجيب صانع معظم نجوم مصر والعالم العربي والذي اختار لها اسمها الفني.. وهو اسم بطلة قصة احسان عبدالقدوس الشهيرة »لا أنام« والتي اثارت ضجة كبري عند نشرها اسبوعيا في »روز اليوسف« قبل ان يحولها المخرج الكبير صلاح ابوسيف الي فيلم ملون يجمع فيه اكبر مجموعة من نجوم السينما المصرية: يحيي شاهين وعماد حمدي وعمر الشريف ورشدي اباظة ومريم فخر الدين وهند رستم وفاتن حمامة في محاولة جريئة منها لكسر نوعية ادوارها التقليدية »البنت الطيبة جدا« وهي محاولة لم يتقبلها الجمهور منها الذي عشق فاتن حمامة في هذه الادوار بالتحديد وكانت موضة لكل من تحلم بالنجومية في السينما ان تقلد ال FATNISM تماما كما كان كل من يحاول ان يكون نجما في عالم الغناء يقلد العندليب ويعاني من ال HALIMISM !! وهكذا اعطي رمسيس نجيب اسم »نادية لطفي« الي شقراء الاسكندرية الجميلة »بولا محمد شفيق« وقدمها بطلة امام فريد شوقي في فيلم »سلطان« ليضمن دخولها سريعا الي قلوب جمهور ملك الترسو! ونجحت نادية لطفي من اول فيلم في لفت الانظار اليها فقد كانت علي الشاشة دم جديد مختلف. بعيدا عن النمط التقليدي للبطلة في السينما المصرية.. بمعني اخر بعيدا عن سكة »فاتن حمامة«! وبعدها مباشرة اختارها يوسف شاهين لتكون بطلة امام احمد رمزي ومحمود المليجي في »حب الي الابد« وبعدها بسنوات كانت معه ايضا في »الناصر صلاح الدين« وكانت التجربة الثالثة لها مع المخرج الكبير كمال الشيخ امام عمر الشريف وكمال الشناوي في احد افلامه الرائعة »حبي الوحيد« ثم اختارها مخرج الروائع حسن الامام بطلة امام عبدالحليم حافظ في »الخطايا« الذي ثبت نادية لطفي علي خريطة بطلات السينما فقد غني لها العندليب »الحلوة الحلوة« و»مغرور حبيبي« و»قلي حاجة« و»حياة قلبي وافراحه« لتصبح نادية لطفي محسودة من كل البنات لان حليم غنالها كل هذه الاغاني الحلوة وايضا اصبحت فتاة احلام كل شباب هذا الجيل لانها تمثل لهم البنت العصرية الجميلة الراقية والمتحررة في حدود التقاليد المعروفة! وفي خلال سنوات قليلة جدا مثلت نادية لطفي عدد كبيرا جدا من الافلام امام معظم نجوم السينما في ذلك الوقت واستطاعت ان تختار ادوارها وتنوعها فهي تتمتع بذكاء مواليد برج الجدي وحصانة التعليم والثقافة ورقي الفكر. وكان ان قدمت نادية لطفي دورها الخطير في »النضارة السوداء« ثم تنوعت الادوار الرائعة »الخائنة« قاع المدينة السمان والخريف »المستحيل« و»الاخوة الاعداء« »الزائرة« و»للرجال فقط« و»المومياء« و»ورق سوليفان« و»قصر الشوق« ثم ثاني فيلم بطلة امام عبدالحليم في فيلمه الاخير »ابي فوق الشجرة«! وتشجعت وقلدتها »سعاد حسني« وهي خريجة نفس دفعة 9591 وتمردت هي ايضا علي ادوار السندريلا الخفيفة لتنطلق متنوعة في »القاهرة 03« و»الزوجة الثانية« و»بئر الحرمان« و»شروق وغروب« و»نادية« و»صغيرة علي الحب« و»خلي بالك من زوزو«... الخ! وكانت نادية لطفي من الشجاعة انها في اختياراتها تستطيع ان ترفض ادوارا لا تقتنع بها.. فقد رفضت مثلا ثلاثة افلام بطلة امام فريد الاطرش الذي كانت تعتز بصداقته جدا كإنسان ولكنها لم تقتنع بكل عروض الافلام التي عرضها عليها ولم يغضب منها فريد بل احترم رغبتها. وعلي سرير المستشفي وجدتها كما عرفتها دائما مبتسمة بشوشة متفائلة واقتربت منها وقلت مداعبا جملة من اشهر الجمل في السينما المصرية: - احنا ضحينا بالجنين عشان ننقذ الام! وضحكت نادية لطفي ضحكة كبيرة جدا واضافت: - ده مش جنين واحد دول اتنين.. الفقرة الرابعة والسادسة في العمود الفقري. وضحكنا من القلب ورأيت أنها قد ارتاحت من عذاب والام السنوات الثلاثة الماضية. ونظرت إلي مبتسمة كعادتها وقالت: معظم الناس عندها مشاكل في العمود الفقري.. قلة رياضة وجلوس ونوم غلط عارف ياسمير انا عندي ثقة كبيرة في الاطباء المصريين ورفضت اعمل العملية دي مع خبير فرنسي كان يزور احد المستشفيات هنا.. انت فاكر ياسمير الاستاذ العظيم دكتور سيد الجندي استاذ المخ والاعصاب اللي انقذني في عملية خطيرة من 03 سنة.. تلميذه د. محمد توفيق هو الذي عمل العملية دي هذه المرة .. عبقري زي استاذه.. عمري ما حنسي دموع الممرضات وهما بيقولولي مبروك بعد ما فقت من البنج.. الواحد في بلده برضه بيحس ان له قيمة! واخذت تروي لي تفاصيل العملية الجراحية الخطيرة التي اجرتها في المركز العالمي بطريق الاسماعيلية وكنت استمع لها وانا استرجع شريط الذكريات الجميل معها.. عمر من الزمالة والصداقة النادرة.. فقد كان لي حظ العمل معها في عدة افلام: »عدو المرأة« و»الاخوة الاعداء و»ابي فوق الشجرة« قبل ان اقوم بدور البطولة المطلقة امامها في »بيت بلا حنان« و»منزل العائلة المسمومة« وهو من انتاجي والذي اعادها الي الشاشة بعد سنوات غياب.. وتذكرت وفاءها الكبير للمخرج العبقري الراحل شادي عبدالسلام وتذكرت كل مواقفها الجميلة لصديقنا المشترك المريض منذ سنوات الفنان جورج سيدهم.. وتذكرت ايضا مساهماتها في الخفاء في عدة مشروعات خيرية ودورها الوطني عندما كانت تجمعنا اسبوعيا لنزور الجنود المصريين علي الجبهة قبل نصر اكتوبر 37.. ان نادية لطفي نموذج رائع للفنان الاصيل ودوره في خدمة المجتمع المدني انها دائما فوق شجرة الوفاء.. الوفاء لكل الزملاء.. في كل الظروف.. الحلوة والمرة.. انها دائما بجانبك عندما تحتاج اليها. الف حمد لله علي السلامة يا بولا!