حقق العالم بالفعل تقدماً كبيراً في مواجهة الفقر المدقع، ففي عام 1990، حينما كان عدد سكان العالم 5.2 مليار نسمة، كان 36% من السكان يعيشون في فقر مدقع. واليوم بعد أن وصل تعداد سكان العالم إلي 7.3 مليار نسمة، فإن هذه النسبة انخفضت حيث تقدر حاليا بحوالي 13% فقط من سكان العالم. فعلي مدي خمسة وعشرين عاماً انخفض عدد الفقراء المدقعين إلي النصف تقريبا، هناك حاليا حوالي 840 مليون نسمة، يعيشون حاليا في فقر مدقع بأقل من 1.25 دولار في اليوم الواحد. بعد هروب مليار شخص من الفقر المدقع منذ عام 1990. هذا النجاح شجع مجتمع التنمية إلي الالتفاف حول هدف جديد، طموح للقضاء علي الفقر المدقع بحلول عام 2030. وقد دار نقاش في معهد بروكينجز حول كيفية التحول في التركيز من الحد من الفقر إلي القضاء علي الفقر وذلك بعد صدور كتاب بعنوان "الميل الأخير لإنهاء الفقر المدقع "، الكتاب عبارة عن مبادرة بحثية مشتركة بين وكالة JICA ومعهد بروكينجز. يضم الكتاب 10 فصول وهو من اعداد مجموعة رائدة من الأكاديميين وخبراء التنمية. تقدم هذه الفصول تقييما للطبيعة المتغيرة للفقر العالمي. يسعي الكتاب الجديد أيضا لتقديم الاستراتيجيات المتعلقة بتطوير أفضل المناهج للارتقاء بالدول الهشة والمساهمة في المناقشات التنموية العالمية، مثل الشراكة العالمية من أجل التعاون الإنمائي الفعال، واعتماد جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد 2015. يعد الكتاب بمثابة خريطة طريق لإنهاء الفقر في العالم، وبناء حياة كريمة للجميع من دون إقصاء أحد. إنَّها أيضاً دعوة واضحة لتكثيف الجهود لمعالجة كوكبنا لصالح هذا الجيل والأجيال المقبلة. يقول البعض إنه يستحيل إنهاء الفقر المدقع، ولاسيما في 15 عاما فحسب. ولكن معدي الكتاب يؤكدون أنه ممكن، لأسباب عدة منها نجاحهم فيما مضي. يتفق الجميع علي أن الحد من الفقر في الدول المستقرة، التي تدار بشكل جيد، إلي حد كبير تم بنجاح. ما يتبقي هو إنهاء الفقر المدقع في بعض الأماكن التي تتطلب معالجة جيوب الفقر في بعض المجتمعات في ظل حكومات قد لا يكون القضاء علي الفقر من ضمن أولوياتها. في المناطق غير المستقرة أو التي تعاني من الصراع، يعيش ما لا يقل عن اثنين من كل خمسة من هؤلاء في فقر مدقع. وهناك آخرون غير قادرون علي العثور علي وظائف أو فرص لكسب قوت يومهم. وهناك اخرون فشلوا في الهروب من الفقر، لأنهم لم يتمكنوا من التعافي من واحد أو أكثر من الصدمات المناخية، اوالصحية، أو الاقتصادية. هذا يسلط الضوء علي ثلاثة تحديات حرجة يجب التغلب عليها من قبل أولئك الذين يسعون لإنهاء الفقر المدقع: السلام: من الصعب القضاء علي الفقر في ظل الصراعات العنيفة. ففي سوريا، البلد الذي كان معدل الفقر المدقع فيها لا يتعدي1% قبل ثلاث سنوات فقط، تتعدي فيها الان نسبة الفقر30%. يعد السلام شرطا أساسيا للقضاء علي الفقر، فالصراعات اوالهشاشة تعد عوائق أساسية في طريق تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية: فلم تحقق أي دولة هشة متدنية الدخل أو متأثرة بالصراع حتي الآن هدفاً واحداً من الأهداف الإنمائية للألفية. إن معالجة الفقر في هذه السياقات صعبة بصورة استثنائية. وللصراع أثر سلبي شديد في النمو الاقتصادي. ويعتبر الفقر علي نطاق واسع، نتيجةً للصراع ومحفزاً للصراعات المستقبلية علي السواء. وثمة إجماع متزايد علي أن أدوات المساعدات الموجودة لا تتناسب بشكل جيد في البيئات المتأثرة بالصراع والبيئات الهشة. وهناك نقاش نشط حول ما إذا كان بإمكان التنمية - كما سُعي إليها من خلال صرف المساعدات - أن تقاوم بالفعل الهشاشة والصراع. ربما تكون الصعوبة الأساسية هي أن الآليات التقليدية للشراكة التنموية تفترض مسبقاً وجود حكومة فاعلة للمشاركة معها. لهذا سيكون ضروريا زيادة الاستثمار في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لدول ما بعد الصراع، إلي جانب تطبيق رؤي جديدة من العلوم السياسية علي أنواع الاتفاقات التي تم التفاوض بشأنها مع الحكومات الائتلافية. الوظائف : يجادل خبراء التقسيم السكاني - الديموغرافيين- حول فوائد ومساوئ التوسع السكاني، ولكن في الحقيقة انه يؤثر بدرجة كبيرة علي العمالة. سواء في الوظائف بأجر أو في الحيازات الصغيرة والزراعة، ووضع حد للفقر المدقع يتطلب - في جميع أنحاء العالم- الوصول للدخول المستدامة. زيادة فرص العمل هو أمر صعب، متداخل مع البنية التحتية، والتنظيم، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، وأكثر من ذلك. ربما لم نعرف كيفية خلق المزيد من فرص العمل الأفضل، ولكننا نعرف أنه جزء هام للقضاء علي الفقر. المرونة: لا يمكن للمرء الخروج من تحت خط الفقر دون أن تكون دولته قادرة علي إدارة وتخفيف حدة المخاطر التي تواجه كل مزارع يتعرض بين الحين والأخر لمواسم زراعية سيئة، والأزمات الأخري التي يمكن ان يتعرض لها الفلاح، مثل المرض أو البطالة أو نفقات غير متوقعة لتغطية حفل زفاف أو جنازة، يمكن أيضا ان يجهد الوضع الاقتصادي للأسرة. حيث يجب توفير شبكات الأمان لمساعدتهم علي التكيف مع مختلف الأزمات. وقد أوضح نائب رئيس وكالة المعونة اليابانية JICA، هيروشي كاتو، المشارك في تحرير الكتاب، كيف ساهمت بلاده في الاستقرار الاجتماعي، واستثمرت بكثافة في التنمية الريفية لضمان النمو الكلي. فهل يمكن للعالم القضاء علي الفقر المدقع بحلول عام 2030؟ سؤال صعب، ولكن يمكن البدء في إجراء محادثات مثمرة حول ما يجب القيام به في مختلف القضايا التي تم عرضها في كتاب "الميل الأخير" حول كيفية إحلال السلام، وتوفير فرص للعمل، من أجل تحقيق هذا الهدف.