حتي لا تفاجئنا التصفيات كالعادة في الفترة الأخيرة لابد ان ندقق النظر في الفوز الكبير للمنتخب علي تنزانيا «3/صفر» ونري المباراة بالعينين الاثنين لا بعين واحدة.. ونسأل عن الأهداف التي تأخرت وعندما جاءت كانت مهارة النجم محمد صلاح هي الحاضرة في الملعب بينما كان «كوبر» المدير الفني حاضرا بالانفعالات أمام دكة الاحتياط مع قليل من الحضور في الملعب. في دقائق معدودة غيرت الثلاثية انطباعات الناس.. ومن كان يعد العدة لتوبيخ الخواجة واللاعبين اخذته الأهداف إلي حالة نفسية مغايرة ونسي الملاحظات والانتقادات واحتفل مع وسائل الإعلام بالبداية السعيدة للفراعنة.. وألغي العناوين الكبيرة التي جهزها لمرمطة المدير الفني وتذكير الجميع بأنه منحوس وماذا ننتظر من المنحوس.. بينما هو أرسل وجهه إلي الكاميرات راسما ضحكة عريضة كما لو كان يقول لنا ها هو المنحوس يفك نحس المنتخب.. انها نقطة تحول في علاقتنا بالخواجة من الناحية النفسية.. لكن يبقي بعض الناس يتأملون ويسألون أنفسهم وسط هذا الزخم من التفاؤل: هل قدم لنا المنتخب نفسه واقتنعنا بانه جاهز كفريق علي مقارعة نيجيريا وتجنب مفاجآت تشاد وغيرها؟.. غامرت وقلت لنفسي أولا لقد رأيت في المباراة لاعبين جيدين ومتميزين وفريقا محدودا في جماعية الآداء لم تظهر فيه أعراض عبقرية كوبر المنحوسة.. ثم تخيلت انه مثل سيارة صيني مدعمة بقطع غيار ياباني.. ولأنها مغامرة متشائمة وسط زخم التفاؤل قررت اختبار نفسي ونقل انطباعي إلي خبير كروي مشهود له باتساع الأفق الفني.. واتصلت بالكابتن طه إسماعيل وناقشته في انطباعي الشخصي.. ولم يختلف كثيرا.. إلا انه اهتم بالتفاصيل. اتفق الكابتن طه معي مبدئيا علي ان المنتخب يفتقد ثقافة «الجماعية» واللعب ككتلة واحدة مثل جيل أبوتريكة في ثلاثية الأمم الافريقية مع حسن شحاتة وشوقي غريب.. وقلت له ان «شاسيه» المنتخب غائب.. فلا يوجد العمود الفقري الذي «يعدل» ميزان الفريق بمجموعة لاعبين ثابتين مستقرين لا خلاف عليهم ولا جدال في حتمية وجودهم كمجموعة ترسم خريطة الأداء. وكانت الملاحظة الرئيسية للكابتن طه ان المنتخب يفتقد اللاعب القائد في وسط الملعب القادر علي التمريرة الحاسمة الشبيه بمحمد أبوتريكة وبدائله في المنتخب المثالي الذي عرفناه في كأس الأمم.. وأشار مثلا إلي ان محمد النني وإبراهيم صلاح رغم تميزهما الفردي إلا أنهما لا يمرران في العمق وكل تميرراتهما عرضية سهلت علي تنزانيا التكتل الدفاعي.. وعندما قلت له أن النني وإبراهيم مدافعان في الوسط وليس مطلوبا منهما رسم خريطة الأداء الهجومي واللعب في العمق.. قال ان ذلك لم يعد موجودا في كرة القدم.. ولا يوجد الآن حاجة اسمها «هاف ديفيندر».. المطلوب حاليا ان تضغط وتقطع الكرة وتلعب في اتجاه العمق في دفاعات الخصم حتي تصل إلي المرمي. والملاحظة الثانية انتزعتها انتزاعا من الكابتن طه بعد شد وجذب وهي ان ثقافة الجماعية فعلا قليلة وان كوبر لم يقدم لنا حتي هذه اللحظة أوراق اعتماده الفنية والخططية والتكتيكية.. وان راعي الكابتن طه أن يلتمس له الأعذار خاصة فيما يتعلق بعدد وحجم الغيابات المؤثرة مثل عمرو جمال ومؤمن زكريا وتريزيجيه وأيمن حفني ووليد سليمان وحسام غالي.. وقال ان تقييم كوبر يأتي بعد أن تتسع دائرة اختياراته ويري أمامه كل العناصر جاهزة في الملعب. وعندما أشار إلي أن جماعية المنتخب تحتاج إلي وقت.. قلت له أن البحث عنها في ظل منافسات قائمة ربما يكلفنا الخروج مجددا من التصفيات.. فالوقت لا يرحم حتي نجلس وتنتظره.. واتفق معي في ذلك إلا أنه طلب التعامل مع واقع ومع ظروف صعبة تمر بها الكرة المصرية خلاف ما كان متوفرا لها في السابق.. وكرر مقولته الشهيرة عن استراتيجية اللعب الهجومي الفعال قائلا: علينا أن نركز فيما هو متاح لنوفر للمنتخب القدرة علي تطبيق نظرية «فكر بعمق والعب في العمق».. وهذا يتطلب وجود فلسفة التمرير الأمامي لا العرضي والتي لا نراها الآن.. وان نخطط لكي نمر بسلام من هذه المرحلة ونلعب بحسابات دقيقة.