الأصل في الأمة الإسلامية أنها واحدة، لكن المحافظة علي الوحدة ليست أمراً سهلاً، وقد تنبأ الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم بافتراق المسلمين من بعده إلي بضع وسبعين فرقة وتحققت نبوءته. والفرق الكبري في الإسلام حالياً ثلاث : السنة والشيعة والخوارج. وداخل كل فرقة تقسيمات فرعية، فأهل السنة ينقسمون إلي مذاهب أربعة، والشيعة ينقسمون إلي إثني عشرية وزيدية وإسماعيلية، وغير ذلك. ومايهمنا هنا هوالسنة والشيعة لخطورة مايحدث بينهما هذه الأيام. وبداية نقرر أن الصراع المذهبي في حقيقته صراع سياسي يلبسه أصحاب المصالح ثوباً دينياً. وتقول لنا حقائق التاريخ السياسي إن هناك ثلاث دول كبري في هذا الجزء من العالم، تطمح كل منها للنفوذ السياسي أو السيطرة علي أكبر عدد من دول المنطقة، هذه الدول هي : مصر وتركياوإيران. وفي ظل الإسلام اعتنقت تركيا ومصر المذهب السني، واعتنقت إيران المذهب الشيعي. ولايظنن أحد أن انتماء مصر وتركيا للمذهب السني منع الصراع السياسي بينهما، فالسياسة لها أحكامها، فتركيا لم تتردد في احتلال مصر لمدة أربعمائة سنة تقريباً ( 1517- 1924) ومصر في عصر محمد علي احتلت أجزاء من تركيا وصارت علي بعد يوم واحد من استانبول. وبعد يناير 2011 دخلت مصر في دوامة الثورة، فوجدت إيرانوتركيا الفرصة متاحة لكسب مساحة من النفوذ الإقليمي. ولن نتكلم هنا عن تركيا لأن موضوعنا هو الصراع بين الشيعة والسنة علي الأرض العربية. ودون تردد نقول إن الطرف الرئيس ووراء هذا الصراع هو إيران. انتهزت إيران فرصة سقوط بغداد في أيدي الأمريكان سنة 2003 لتبسط نفوذها علي العراق، واستغل الحكام العراقيون الموالون لإيران مساندة طهران لهم ليقوموا باضطهاد السنة، وفي مواجهة هذا الوضع تحالف السنة مع داعش. لدرجة أن بعض التشكيلات العسكرية التي يسيطر عليها السنة لم تقاتل داعش، بل تركت لها أسلحتها دون أن تدخل معها في قتال. ولما هبت الثورة في سوريا، وقفت بعض دول الخليج وتركيا مع القوي التكفيرية من أجل إسقاط بشار (الشيعي)، ودعمت داعش وجبهة النصرة وغيرها في مواجهته، فلجأ بشار لإيران ( الشيعية )، التي سارعت بدعمه، وأعطت تعليماتها لحزب الله (الشيعي) لكي يساند بشاراً، وهكذا صارت المواجهة بين بشار وخصومه السياسيين مواجهة مذهبية. وفي اليمن دخل الحوثيون ( وهم شيعة زيدية ) في مواجهة مع حكام الدولة من أهل السنة، ووقفت إيران تدعم الحوثيين باعتبارها تساعد إخوانها الشيعة. في ظل هذا المد الشيعي في العراق، والشام، واليمن، بدأ الشيعة في الخليج يتطلعون لمساحة أكبر من السيطرة السياسية، وأعلن المسئولون الإيرانيون أن البحرين لن تلبث أن تقع تحت نفوذهم، وأحس أهل السنة في الكويت بالخطر تجاه الأطماع الإيرانية. وصرح بعض الإيرانيين بأن مصر هي الجائزة الكبري في الصراع السني الشيعي. وأظن أن أمريكا تتمني أن يكون في المنطقة فريقان متعاديان، الأول بقيادة إيران، والثاني بقيادة مصر والسعودية، لأن هذا يحقق طموحها في السيطرة علي بترول العرب، ويضمن عدم استقرار المنطقة، مما يعطي حليفتها إسرائيل فرصة أفضل لتحقيق أهدافها. لذلك أري أن علي علماء السنة والشيعة دوراً مهماً، لو كانوا حقاً يحبون لأمتهم أن تكون واحدة، وألا يستولي الغرباء علي خيراتها، أويبثوا الفرقة بين أقطارها، أويزهقوا أروح أبنائها بالباطل ؛ علي هؤلاء العلماء أن يعملوا معاً علي جمع الشمل، وتكوين جماعة تسمي التقريب بين المذاهب، تكون مهمتها التأكيد علي نقاط الاتفاق بين أبناء الأمة، وبحث الأمور الخلافية، وإيجاد الحلول لها، علي علماء هذه الأمة المستنيرين من السنة والشيعة أن ينتبهوا لما يحاك لأمتهم، وألا ينساقوا للتهليل لعوامل الفرقة، لأن الله سيسألهم عما فعلوه لهذه الأمة.