في سن الصبا غرمت بقراءة معارك الأدباء المصريين الثقافية. كانت أول معركة قرأت عنها هي المعركة حول كتاب في الشعرالجاهلي لطه حسين. قرأت آراء خصومه من الكتاب والمفكرين. محمد لطفي جمعة والرافعي مثلا. وجدت نفسي بين أفكار فكرية وفلسفية هادرة. فمحمد لطفي جمعة يناقش فلسفة ديكارت التي اعتمد طه حسين عليها وجعل الشك طريقه للبحث حتي اليقين. والشك هنا لا يعني الإنكار لكن يعني الفكر فعبارة ديكارت التي لخص بها منهجه هي أنا أفكر إذن أنا موجود. ووجدت الرافعي أكثر حدة فهو عاشق التراث لكنه أيضا لم يبتعد عن العقل والفهم إلا في بعض الجمل القاسية لكنها أمام سيل الفكر الذي قدمه تجعلك تقف في فضاء المعركة الفكرية العظيمة بعقلك لا بشعورك. تابعت بعدها القراءة ، فلقد كانت هذه المعارك قبل أن أولد - أقول تابعت بعدها معركة العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري مع أحمد شوقي وحافظ ابراهيم حول الشعر. العقاد ورفيقاه من دعاة وحدة القصيدة لا وحدة البيت الشعري وهناك فارق كبير. فالشعر القديم في نظرهم إلا قليلا يعتمد وحدة البيت ومن ثم تكون القصيدة مفككة لأنه ليس لها موضوع واحد. قد تبدأ بالمدح ثم تنتهي بالحب أو تبدأ بالبكاء علي الأطلال وتنتهي بالمدح وهكذا. بينما رأي العقاد والمازني وشكري « مدرسة الديوان « أن القصيدة لابد أن تكون حول موضوع واحد وإن اختلفت تجلياتها التعبيرية عن الموضوع. وتابعت معركة مدرسة الفن للمجتمع يتزعمها محمود أمين العالم وعبد العظيم انيس والفن للحياة يتزعمها لويس عوض. ومعركة قصيدة التفعيلة مع القصيدة العمودية وقبلها معركة المدرسة الرومانتيكية مع الشعر الواقعي وهكذا. في كل هذه المعارك كانت الأفكار الكبري بين يدي من النقاش والبحث وكانت كلها معارك أثرت حياتنا الأدبية ثراء عظيما لم يتطاول فيها واحد علي آخر ويتهمه بالعمالة أو الخيانة أوغير ذلك من الألفاظ المنحطة التي تليق بمن يقولها. تقدمت في العمر وتابعت الحياة الثقافية من حولي وساهمت فيها فلم أجد معركة ثقافية واحدة حول قضية فكرية أو أدبية. كل المعارك لا أدب فيها ولافكر لكن ألفاظا واتهامات شخصية متبادلة. شاركت في كل الحياة السياسية فكرا وعملا وفي كل الحياة الأدبية فكرا وعملا ولم أشغل نفسي بالدخول في أي معركة ولا مساندة أي شخص ضد الآخر لأني أعرف أن كليهما صاحب مصلحة كثيرا ما تكون مادية ! أو من اجل السفر أو الجوائز أو حتي النشر. نالني منها معركتان. أو بمعني أدق هجومان فلم أرد علي أحد. واحد يوم حصلت علي جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 1996 واعتبرها البعض عمالة لأمريكا. ويومها كتبت ضاحكا عمالة بألف دولار ، طيب بألفين باجماعة. أوقف نجيب محفوظ الجميع حين قال كلمته الشهيرة « الاعتراض علي جائزة تحمل اسمي هلوسة وفاز بها أديبان كبيران هما لطيفة الزيات وإبراهيم عبد المجيد لهما تأثيرهما الواضح في الثقافة المصرية والعربية.» كانت الجائزة وقتها تعطي لاثنين: ميت وحي وكانت لطيفة الزيات وقتها قد رحمها الله ، ثم انتهي الأمر عند الكثيرين من المهاجمين بعد ذلك حيث ترجمت رواياتهم بعدي في الجامعة الأمريكية واتضح أن المسالة ليست عمالة ولايحزنون. المسألة أني كنت الأول في الفوز. ولن أعيد ماقاله محفوظ بعد ذلك عني حتي مات وكله منشور. هذا الأسبوع فازت روايتي» أداجيو « بجائزة «كتارا « ورواية الشاب الجميل سامح الجباس ، وعلي الفور سنت السكاكين. وتم الخلط عمدا بين السياسي والثقافي. كما ضحكت يومها أضحك الآن وأتذكر مقولة عادل إمام الشهيرة « متعودة «.