هذا شتاء مصري ساخن! إيقاع الحركة محموم، يتسارع يوماً بعد آخر، علي مسارات شتي.. وبالتوازي. لا يجدي في حالة مصر، أن تندفع في مسار، وتبطئ في آخر أو تتعثر. ولا يصح لدولة كمصر، أن تتشرنق علي ذاتها وشئونها، وتنعزل عن الإقليم، فلا تشارك في تحديد مصيره، وصياغة مستقبله الذي لا ينفصل عنه مستقبلها. وكلما كانت مصر حاضرة في اقليمها وقضاياه، كان صوتها مسموعاً في العالم، الذي يعرف - بحكم تجارب الماضي والحاضر - أنه حيثما ولت مصر وجهها، كانت قِبلة العرب! إنه شتاء حافل بأجندة عمل متخمة داخليا وخارجيا. عمل دءوب لا يهدأ في مشروعات العام الواحد، وأهمها حفر قناة السويس الجديدة، التي ينظر إليها العالم باعجاب، كنموذج لسرعة الانجاز، وكرمز لالتفاف الشعب المصري حول رئيسه باستجابته لدعوته لهم بالاكتتاب التي حصدت 64 مليار جنيه في 8 أيام، وكنواة لمشروع أكبر هو تنمية منطقة القناة، التي تقع في قلب إقليم مضطرب لم يعد يعرف سوي الهدم! استعدادات غير تقليدية تجري علي قدم وساق، لتنظيم مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي يقام في شرم الشيخ من 13 إلي 15 مارس المقبل، ليكون أول اطلالة حقيقية من العالم علي مصر الجديدة التي تتحدث بلسان العصر، لنحو 3 آلاف من رؤساء الشركات العالمية، ورجال الأعمال والبنوك والاقتصاد في مصر والعالم، فضلا عن حشد كبير من قادة الدول ورؤساء الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية. إجراءات تتخذ لاتمام المرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق، وهي الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ آخر أيام الشتاء في 21 مارس. ترتيبات تتم لاستضافة القمة العربية في القاهرة مع نهاية مارس وبدء حلول نسمات الربيع، حيث سيتم تسليم رئاسة القمة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلي الرئيس عبدالفتاح السيسي. *** آخر رسالة أطلقها الرئيس السيسي في آخر زيارة خارجية له، وكانت للكويت منذ نحو أسبوعين، أن مصر قد عادت. قال يومها: إن الهدف من زياراته الخارجية هو أن نقول للعالم: إن مصر رجعت لمكانتها ودورها. قبل تلك الزيارة بأربعة أيام، طرح السيسي من جامعة الأزهر في الاحتفال بذكري المولد النبوي الشريف دعوته لثورة دينية تجدد الخطاب الديني للعالم الإسلامي، بعد أن تسبب المتطرفون في تصوير المسلمين علي أنهم 1٫6 مليار متعصب، يريدون قتل 6 مليارات انسان هم باقي سكان العالم. دعوة السيسي في الاحتفال، لم تكن كلمة في مناسبة، وإنما جاءت مناسبة لتوجيه كلمة، كان يتوق لقولها منذ زمن، وعبر عنها لأول مرة حين كان وزيرا للدفاع، عندما تحدث معي عن إسلام الجماعة وإسلام الدولة، وخطورة الإسلام السياسي علي صورة الدين. تلك الدعوة، لم تنل حق قدرها، ولم يلتفت إليها الغرب وإعلامه، إلا بعدها بأسبوع، حينما وقع حادث الاعتداء علي مقر صحيفة «شارلي إبدو» في العاصمة الفرنسية، وأصبحت محور أحاديث قادة الدول المشاركين في مسيرة باريس للتنديد بالإرهاب، وفق شهادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. *** رسالة العودة المصرية، وطموحات الداخل المصري، وقضايا الإقليم العربي، ودعوة اصلاح الفكر والخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام، هي الأوراق الرئيسية في الملفات التي يحملها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارتيه هذا الأسبوع إلي أبوظبي حيث يشهد القمة العالمية عن مستقبل الطاقة، وإلي دافوس، حيث يشهد أعمال المنتدي الاقتصادي العالمي بسويسرا. هذان هما ثاني وثالث اطلالة لمصر الجديدة علي المجتمع الدولي، بعد الإطلالة الأولي في نيويورك، عندما شارك الرئيس السيسي في القمة الدولية للمناخ، والدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة. *** في أبوظبي التي وصلها مساء أمس.. يلتقي الرئيس السيسي مع الشيخ محمد بن زايد ولي العهد - لظروف مرض رئيس الدولة الشيخ خليفة - في مباحثات مطولة اليوم بعد مراسم الاستقبال الرسمية، تتركز علي التعاون بين مصر والإمارات والأوضاع بالمنطقة وقضية الإرهاب. التواصل بين البلدين والقيادتين لم ينقطع منذ ثورة 30 يونيو، والعلاقات تشهد أوج متانتها بعد عام الفتور في ظل حكم الإخوان. وقبل المباحثات يلتقي الرئيس مع رجال أعمال إماراتيين ومصريين في اجتماعين متتاليين للنقاش حول فرص الاستثمار في مصر علي ضوء مشروع القانون الجديد والفعاليات التي سيتضمنها المؤتمر الاقتصادي. التقدير الذي يكنه شعب الإمارات وقادته لمصر وقائدها، كان وراء دعوة الرئيس السيسي ليكون المتحدث الرئيسي أمام قمة الطاقة في جلستها العامة غدا بحضور ممثلي 170 دولة من صناع السياسة وقادة الأعمال. كلمة الرئيس ستتناول في مجملها التحديات التي يواجهها العالم في مجال الطاقة، وخطط مصر القومية في مجال الطاقة المتجددة كالشمس والرياح، ومشروع مصر لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء. كما ستتناول مسعي مصر لتكون مركزاً إقليمياً في مجال الطاقة، في ضوء انشاء القناة الجديدة التي ستقلل من زمن عبور ناقلات البترول والغاز، وكذلك شبكة أنابيب الغاز بها. والحضور المصري علي هذا المستوي، وأمام هذا الحشد الضخم، فرصة للترويج للمؤتمر الاقتصادي خاصة أن جانباً من أهم المشروعات التي ستطرح خلاله، تتعلق بالاستثمار في مجال الطاقة المتجددة. *** ليلتان يقضيهما الرئيس السيسي في القاهرة بعد عودته من أبوظبي، قبل أن يطير إلي سويسرا مساء الأربعاء، ليبدأ من صباح اليوم التالي برنامجاً مكثفاً في القمة الخامسة والأربعين لمنتدي دافوس العالمي. أكثر من 2500 مشارك من 140 دولة يشاركون في أعمال المنتدي يمثلون حكومات ومنظمات أعمال ومؤسسات أكاديمية وكبار الشركات العالمية، ويأتي علي رأسهم قادة 40 دولة من بينهم بجانب الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس وزراء الصين ورئيس وزراء ايطاليا وعاهل الأردن ورئيس تونس ورئيس جنوب افريقيا ورؤساء وزراء العراق وتركيا وباكستان ووزير خارجية أمريكا. ينعقد المنتدي هذا العام تحت شعار «السياق العالمي الجديد»، في ظل التحديات الحرجة التي يواجهها العالم. وقد سبق انعقاد المنتدي بأيام، صدور تقرير له عن أبرز المخاطر العالمية في العام الجديد، وجاء في صدارتها من حيث احتمالية الحدوث، تصاعد الصراعات بين الدول، ومن حيث القدرة علي التأثير أزمات المياه. ولم تخل القائمة من الإرهاب وخطر «انهيار الدولة»! صباح الخميس.. يلقي الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمة أمام الجلسة العامة الرئيسية للمنتدي، يتناول فيها التطورات التي شهدتها مصر سياسياً علي صعيد تنفيذ خارطة الطريق بدءاً بالاستفتاء علي الدستور، ثم انتخابات الرئاسة، وأخيرا الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ في الأسبوع الرابع من مارس المقبل، وكذلك الاصلاحات الاقتصادية التي تمت والمؤشرات الايجابية التي نتجت عنها، وبرنامج المشروعات الكبري والمؤتمر الاقتصادي الذي يتم توجيه الدعوات لحضوره، كما يتطرق الرئيس في كلمته إلي خطر الإرهاب الذي لا يقتصر علي الشرق الأوسط، ودعوته إلي تجديد الخطاب الديني. ثم يلتقي الرئيس علي العشاء في نفس اليوم مع جمع من رؤساء كبريات شركات العالم في مختلف المجالات. وفي يوم الجمعة.. يترأس السيسي جلسة خاصة عن قضايا الشرق الأوسط، يشارك فيها الملك عبدالله عاهل الأردن ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورئيس اقليم كردستان مسعود برزاني. وتتركز الجلسة علي دور المجتمع الدولي في المساعدة علي إقرار السلام والاستقرار بالمنطقة. *** بعد ساعات من عودته من سويسرا.. يخاطب الرئيس السيسي المصريين في الذكري الرابعة لثورة 25 يناير المجيدة، وهو خطابه الأول للأمة في هذه المناسبة منذ تولي الرئاسة، ولعله سيكون الأهم منذ سلمه الشعب المسئولية. وقبل نهاية الأسبوع المقبل، يتوجه الرئيس إلي أديس أبابا لحضور قمة لا غني عن حضورها هي قمة الاتحاد الأفريقي، وإجراء مباحثات علي هامشها مع القادة الأفارقة، وفي مقدمتهم الرئيس الإثيوبي لبلورة التفاهمات والنوايا الطيبة في اتفاق ملزم يراعي متطلبات اثيوبيا في التنمية، ويصون حق مصر في مياه النيل، مصدر حياة المصريين.