استعراض القوة أمام المتطرفين لجذب الأنصار للانضمام لداعش رغم مرور 13 عاما علي الحرب في أفغانستان مازالت الصورة الضبابية تسيطر علي المشهد في أطول حرب علي الارهاب تشنها أمريكا في تاريخها. هذه الحرب لازالت مجهولة النتائج فهي لم تخلص افغانستان من تنظيم طالبان الذي يستعيد قوته يوما بعد يوم في ظل هجمات أمريكية بطائراتها بدون طيار والتي تقتل المدنيين أكثر مما تقتل مسلحي طالبان. ومع اعلان اوباما عن انهاء الحرب الأمريكية في افغانستان بالأمس يتساءل البعض عما حققته أمريكا من حرب كلفتها حتي الآن ترليون دولار بالإضافة إلي 100 بليون دولار أخري لإعادة الإعمار قتل فيها 2200 جندي امريكي و5000 من القوات الأفغانية و10000 من المدنيين. طالبان التي حكمت أفغانستان منذ عام 1996 وازيحت عن السلطة مع بدء الحرب الأمريكية علي الارهاب نهاية عام 2001 وبعد مطاردة القوات الامريكية لها واستيلائها علي اهم معاقلها في افغانستان وتشتت مقاتلي الحركة بين الجبال والمناطق الحدودية مع باكستان استعاد التنظيم قوته شيئا فشيئا مع بدء الحرب الامريكية علي العراق التي حظت باهتمام اكبر. واليوم تعيد أمريكا الكرة من جديد في ظل انشغالها بالجبهة الجديدة التي فتحتها في العراق وسوريا لمحاربة داعش. لتترك معركة قتال طالبان للقوات الأفغانية بقدراتها المحدودة وللحكومة الباكستانية التي أصبحت مطالبة شعبيا بمواجهة ذلك الارهاب القادم بصورته الوحشية والذي قتل 150 شخصا معظمهم من الأطفال قبل أيام في مدرسة عسكرية تابعة للجيش الباكستاني. وليس هناك أبلغ من اعتراف وزير الدفاع الامريكي السابق تشاك هيجل في آخر زيارة له لافغانستان الشهر الماضي قبل اقالته انه يجب ألا يندهش أحد من قدرة طالبان علي شن هجماتها حتي الآن في العاصمة كابول. وقوله انهم سيفعلون المستحيل من اجل افشال الحكومة الافغانية الجديدة. في اعتراف أمريكي صريح بقوة طالبان التي لازالت تشن هجماتها بشكل منتظم ودوري علي قوات حلف الناتو حتي انها نفذت عملية في كابول قبل ايام اثناء زيارة النائب الأمريكي جون ماكين لأفغانستان. كما لم تتحسن الأوضاع بعد انتخاب رئيس أفغاني جديد والتي جاءت بعد ولادة متعثرة. أما في باكستان ثاني أكبر معاقل حركة طالبان فلازال الجميع يحكي قصص الموت الحزينة في اكبر مأساة انسانية تعيشها البلاد منذ سنوات في الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته 148 شخصا بينهم 132 طفلا لم تتجاوز أعمارهم 14 عاما. ومع المواكب الجنائزية التي خرجت لتشييع الضحايا بدأت تحركات رئيس الوزراء نواز شريف السياسية للرد علي هذا الهجوم الارهابي حيث اجتمع مع كل الأطياف السياسية في البلاد وعلي رأسهم عمران خان ابرز معارضيه للرد بقوة علي ارهاب طالبان وبدأت هجمات الجيش الباكستاني تضرب بقوة الحدود كما نفذت أحكام الاعدام التي كانت محظورة في البلاد ضد مقاتلي الحركة. المتابع للشأن الباكستاني سيعرف جيدا أن ضخامة الحدث ودمويته تؤكدان ان دوافع طالبان من ارتكاب هذه المذبحة ليس للانتقام من الجيش الباكستاني كما تدعي لأنها لم تتوقف عن قتل آلاف الباكستانيين منذ عام 2001 حتي وصل عددهم في آخر الإحصائيات إلي 50 ألف شخص. كما لم تتوقف في المقابل العمليات العسكرية التي تشنها الحكومة ضد معاقل طالبان علي الحدود المشتركة مع أفغانستان. لكن هناك تغير وحيد وقع في الأيام الماضية بات يهدد طالبان ووجودها في المنطقة بأكملها وهو انشقاق عدد كبير من مقاتليها واعلانهم الولاء لدولة الخلافة الإسلامية وعلي رأسهم الناطق باسم الحركة شهيد الله شهيد و5 من كبار قادة التنظيم. مما اضطر طالبان باكستان لإصدار بيان تجدد فيه بيعتها لزعيم حركة طالبان افغانستان الملا عمر. في حين بدا واضحا للجميع أن داعش أصبحت تشكل خطرا علي حركة طالبان بشقيها الباكستاني والافغاني بالإضافة لتنظيم القاعدة وغيرها من الحركات الجهادية بعد استقطابها لعدد كبير من المقاتلين في صفوفها. لذا يبدو الحادث وكأنه استعراض للقوة الإرهابية للتنظيم داخليا في طالبان التي تهددها الانشقاقات وخارجيا امام عدوها الجديد داعش الذي أصبح يستقطب كل يوم عددا كبيرا ممن يدعون الجهاد ضد أمريكا وحلفائها.