أنا الذي لا أنام إلا بعد الفجر ولا أصحو إلا في الحادية عشرة ظهرا. في الشارقة نمت كالعادة بعد الفجر لكني كنت أصحو في الثامنة صباحا كأني شاب صغير. أربع ساعات من النوم صارت كافية ذهبت في العاشر من هذا الشهر إلي معرض الشارقة الدولي للكتاب. كانت هذه أول مرة توجه فيها الدعوة لي. حضرت معارض عربية وأجنبية كثيرة. لكن هذه المرة كانت الزيارة أقرب إلي طوق نجاة لروحي من هموم الوطن التي أغرق فيها منذ ثورة يناير 2011. كل من جلست معه هناك من الأصدقاء وتحدث فيما يجري في مصر والعالم العربي من تحولات وإرهاب وقمع أيضا أطلب منه أن يحول الحديث إلي ذكرياتنا معا في مصر أو غيرها من البلاد التي التقينا فيها. كنت أبحث عن مادة للضحك لأتخلص من الاكتئاب الذي تركت حبوبه خلفي عامدا في مصر. ضحكنا كثيرا فذكرياتنا تفوق الخيال. ومنعت نفسي من قراءة الصحف أو الدخول علي مواقع الإنترنت أو مشاهدة التليفزيون في الغرفة إلا فيلما أجنبيا قد يعجبني، أنا الذي لا أنام إلا بعد الفجر ولا أصحو إلا في الحادية عشرة ظهرا. في الشارقة نمت كالعادة بعد الفجر لكني كنت أصحو في الثامنة صباحا كأني شاب صغير. أربع ساعات من النوم صارت كافية. وساعة أو بعض ساعة بعد الغداء. كنت أنزل هاشا إلي المعرض الجميل شديد التنظيم. أشاهد الآلاف من الحضور ومن طلاب المدارس يأتون إلي المعرض كل يوم. راعني أن أكثرهم من الفتيات. ضحكت مرة مع أحد العاملين في تنظيم المعرض والندوات وقلت له: هل لا يوجد في مدارس الشارقة إلا بنات؟ قال ان عدد البنات أكثر من عدد البنين. ضحكت وقلت: إذا كان هذا صحيحا فيابختكم، فإذا كان الرجال ملح الأرض فالنساء ورد السماء! ومن حسن حظي أني حضرت ندوتين في الأولي كانت معي كاتبتان عربيتان شابتان وكاتب هندي وفي الثانية كنت وحدي في مؤسسة بحر الثقافة التي أسستها الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان التي حضرت ومعها آخرون، ولدهشتي كانت الندوة عامرة بالنساء. فالمؤسسة تقوم عليهن بالأساس، وحضر الندوة عدد من الرجال.. كانت ندوة أكثر من رائعة ولأني وحدي والوقت ممتد طوفنا بالحديث والاسئلة إلي الكثير من مفاصل الجمال في الأدب والفن. بعيدا عن الندوات ونظام المعرض الرائع راعتني مطاعم المعرض. كان كل ما تقدمه رائعا ونظيفا وجميلا مثل كل المطاعم في الشارقة ودول الخليج. تنقلت بين الشارقة ودبي في السيارة التي خصصوها لكل كاتب. وبعيدا عن هذا الكرم الجميل ما أثارني هو أني لم أقابل حفرة في الطريق، خارج المدينة أو داخلها. ورغم الزحام في الشارقة التي هي أكبر إمارات الخليج والقريبة من دبي أو الملتصقة بها ومن ثم كثيرون ممن يعملون في دبي يقطنون في الشارقة؛ رغم الزحام هذا كان الطريق يمضي وينتهي كل شيء في دقائق دون أن اقابل أي رجل مرور. لكن الكل يلتزم بالإشارات فلا تجد من يسرق الملفات فيوقف كل شيء ولا من يأتي من أقصي اليمين ليدخل في منعطف علي اليسار. هذه الأمور البسيطة التي فقدناها. لأول مرة أشعر بالحزن علي فراقي إحدي المدن. في كل زياراتي لبلاد الله كنت أتوق لمصر. هذه المرة لم يحدث. تركت الشارقة بين الحزن والشجن. لاني أعرف ما ينتظرني من آلام وترهات. لكن تبقي هذه الأيام الخمسة ويبقي رحيقها في روحي فشكرا لكل من ساهم في هذا المعرض تنظيما ومشاركة ومدير المعرض الشاب أحمد العامري والشكر العميق للشيخة بدور القاسمي التي تقف وراء الأنشطة الثقافية والفكرية في الإمارة الجميلة. أما حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الشاعر والأديب والمفكر فالشكر له لا ينتهي علي ما يفعل في الشارقة من جمال.