شاب مصرى جلس بجوار ما تبقى له من الغربة «الفقر أمامهم.. والموت خلفهم».. عبارة تحمل الكثير من اليأس والحزن.. ولكنها تجسد الواقع الأليم لآلاف المصريين الناجين من نيران الميليشيات المسلحة في دولة تجمعنا معها علاقات وحدود مشتركة.. كانت تمثل لعقود طويلة الأمل والملاذ للشباب المصري الباحث عن فرصة عمل ومصدر دخل لعيش حياة كريمة.. بعد أن فشل في العثور عليها في بلاده بفضل سياسات خاطئة للحكومات السابقة علي مدار السنوات الماضية.. ولكن دوام الحال من المحال فبين عام وآخر تدهورت الأوضاع الأمنية في ليبيا ليصبح قرار البقاء وسط الاقتتال العنيف الدائر هناك هو اختيار بين «الموت أو الموت».. ليغلق بذلك آخر أبواب الأمل في وجوه تحملت الكثير من أجل لقمة العيش، وتضييع «تحويشة العمر». علي بعد نحو 600 كيلو متر من الاسكندرية حيث البوابة الغربية لمصر.. واصل عشرات الآلاف من العمال المصريين التدفق علي منفذ السلوم البري للأسبوع الثاني هرباً من جحيم بات ينتشر في الأراضي الليبية لا يعرف سوي القتل والدم دون تفرقة بين مصري أو ليبي.. «الأخبار» كانت في استقبال العمال المصريين من مختلف محافظات الجمهورية وعاشت معهم لحظات الرعب والخوف حتي وصولهم للحدود المصرية الغربية.. لتنقل آهات وشكاوي أشخاص لا يعرفون سوي لغة الصبر والرضا بما كتبه الله. يؤكد اللواء أحمد عطية مساعد مدير أمن مطروح ورئيس اللجنة المشكلة لاستقبال العائدين من ليبيا بمنفذ السلوم البري، أن عدد المصريين الذين وصلوا للمعبر بلغ نحو 25 ألف مواطن في أسبوع واحد، تم إنهاء إجراءات خروجهم من المنفذ ومعظمهم عادوا إلي محافظاتهم، لافتاً إلي أنه تم رفع درجة الاستعداد القصوي بالمنفذ وإلغاء الإجازات لجميع العاملين وزيادة ورديات العمل لسرعة إنهاء دخول العائدين. وأشار عطية إلي أن القوات المسلحة ومديرية أمن مطروح تقومان بدور كبير في تأمين الحدود وتقديم المساعدات للحالات الإنسانية للعائدين، حيث قامت قيادة المنطقة الشمالية العسكرية بإنشاء نحو 100 خيمة أعلي هضبة السلوم تم تجهيز كل منها بأربعة أسرة لاستقبال العائدين وتجهيز وجبات لهم. ورداً علي قيام عدد من العائدين بالتظاهر داخل المنفذ لبطء الإجراءات واحتجاز بعضهم، أوضح أن نحو 250 شخصاً ممن وصلوا إلي المعبر لا يحملون أي أوراق أو جوازات تثبت هويتهم، مما يستلزم احتجازهم لبعض الوقت حتي تتمكن الجهات الأمنية من التأكد من هويتهم وعدم صدور أحكام ضدهم. وأضاف مساعد مدير الأمن أن تلك الإجراءات كانت تستلزم عرضهم علي النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية باعتبارهم متسللين ودفع غرامة قدرها 100 جنيه لكل فرد، ولكن مراعاة للظروف الإنسانية تم إلغاء الغرامة وإجراء العرض علي النيابة، ليتم صرفهم من المنفذ بعد التأكد من هويتهم. تردي الأوضاع الأمنية من جانبه توقع سعيد أبو زريبة عمدة السلوم ومنسق العلاقات المصرية الليبية لشئون القبائل، عودة معظم العمالة المصرية من ليبيا بسبب ما وصفه بتردي الأوضاع الأمنية هناك بسبب القتال الدائر بين الميليشيات للأطراف السياسية المتنازعة علي الحكم في ليبيا، مشيراً إلي أن قبائل مطروح تقوم بالتنسيق مع الجهات الأمنية للتواصل مع أبناء عمومتهم من القبائل الليبية لتأمين عودة المصريين إلي وطنهم. وأضاف «أبو زريبة» أن عمد ومشايخ السلوم نظموا لجاناً شعبية لتقديم المساعدات الإنسانية للعائدين تشمل وجبات غذائية وأموالاً لمساعدتهم للوصول إلي محافظاتهم، قائلاً: «بعض من وصلوا للمعبر حالتهم سيئة بعد أن فقدوا كل شيء ولا يجدون أجرة المواصلات التي تنقلهم لبلدهم». الدينار ب 5 جنيهات وقد ألقت الأزمة التي يشهدها المعبر بظلالها علي حركة الحياة بمدينة السلوم التي طالما وصفت بالمدينة الهادئة، حيث تحولت المدينة إلي ما يشبه خلية النحل لتشهد رواجاً وحركة لا تتوقف لنقل العائدين إلي بوابات المدينة حيث تنتظرهم سيارات ميكروباص لتتحرك بهم إلي محافظاتهم، بعد أن أصبحت سيارات «النصف نقل» التي يملكها أهالي السلوم وسيلة النقل الرئيسية التي تسمح لها السلطات الأمنية لنقل العائدين خارج منفذ السلوم. وتسبب إقبال العائدين المتزايد علي شراء المواد الغذائية في ارتفاع الأسعار بالمقارنة بالأيام السابقة، فضلاً عن انتشار السوق السوداء لتغيير العملة بأسعار تقل عن القيمة المتداولة بها بالبنوك وشركات الصرافة في مصر، حيث يتم شراء الدينار الليبي من العائدين بخمسة جنيهات بدلاً من 567 قرشاً طبقاً للسعر الرسمي.