لأننا لم نلتق أنا وانتم طوال شهر رمضان.. فإن أحداثا كثيرة فاتتنا لم نعلق عليها ولم نتواصل حولها. ولم يحدث أن غابت صفحات الرأي في جريدة الأخبار كل تلك الفترة ولكننا نعود لنلتقي من جديد.. وحشتونا. في البداية لابد أن نقدر الزميل العزيز الصحفي المتميز الأستاذ ياسر رزق رئيس مجلس الأدارة ورئيس التحرير علي الروح الجديدة التي نشرها بين أسرة الأخبار وقرائها.. والروح العالية التي أعادها الي صفحات الأخبار.. الجريدة التي تميزت طوال عمرها الذي يتجاوز 62 عاما بأنها جريدة الناس البسطاء.. جريدة الشعب المحب لوطنه . نقل ياسر رزق حياتي الصحفية الي مجال جديد.. نقلني الي الأمام عشرات السنوات.. الي صحافة المستقبل أو مستقبل الصحافة.. كلفني برئاسة تحرير البوابة الإلكترونية لأخبار اليوم والمواقع الرقمية لإصدارات الدار.. وأنا أحاول أن أكون علي قدر المسئولية لأنقل معه وبمعاونة زملائي هذه البوابة الي المكانة التي تستحقها.. وهذا هو التحدي الصعب. تلك الصحيفة التي تقرأها بين يديك كانت في الماضي المصدر الوحيد للأخبار والنافذة الوحيدة التي يطل منها الكاتب علي قرائه.. وتحولت في الحاضر الي واحدة من نوافذ عديدة تنافسها محطات تليفزيونية واذاعية تنقل الخبر وقت حدوثه وتحمل الرأي من مختلف الاتجاهات في عصر السماوات المفتوحة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت في الأفق مواقع الكترونية تنقل عبر شبكة الإنترنت الخبر والتعليق والرأي والصورة في عصر يمكن أن نسميه عصر الأبواب المفتوحة حيث تقريبا لا رقيب ولا حسيب ولا مانع ولا حاجز. كانت الرقابة في الماضي رقابة دولة.. ثم أصبحت رقابة ضمير.. ولكنها اليوم رقابة قلة ضمير.. تتصارع عليها المصالح الخاصة وسيطرة رؤوس الأموال لدرجة انه لم تعد هناك سيطرة علي مايقوله الناس للناس ولا علي مايقرؤه أي حد من أي حد. الأرقام تقول أن عدد الذين يتلقون معلوماتهم ويتبادلونها عبر الإنترنت من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو المواقع الاخبارية والعامة والمتخصصة حوالي ثلاثة مليارات نسمة.. أي أقل قليلا من نصف عدد سكان العالم في مصر منهم نحو 25 مليونا. ولكن هناك في العالم نحو عشرة مستخدمين جدد للأنترنت في كل ثانية أي 600 في كل دقيقة.. و36 ألفا في الساعة. وبهذه الحسبة نجد أن هناك نحو 300 مليون في العام الواحد.. وهو رقم ضخم ومذهل.. يقابله طبعا انخفاض واضح ومستمر في أعداد القراء الورقيين.. جيل المعلوماتية يتضخم بقوة وجيل الورقية يتراجع بشدة.. والنتيجة هي أن الصحافة الرقمية تكسب. نحن نعيش اذن عصر الأنفجار المعلوماتي.. كل شيء حولنا تحول الي ديجيتال أو رقمي.. وهناك من الأحياء بيننا من كان يستخدم التليفون " أبو منفلة " ولعل الشباب يشاهدونه في الأفلام القديمة.. ولكن أطفالنا الآن يتعاملون مع أحدث الأجهزة بمنتهي اليسر والسرعة وكأنهم ولدوا وقد تعلموا كيف التعامل معها. بالتأكيد غيرت التكنولوجيا الحديثة حياتنا.. تحولت في أغلب الأحيان الي حياة ديجيتال.. ربما كان في الأمر وجوه سلبية عديدة.. ابنك مثلا أصبح كلامه معك قليلا.. وابنتك تشاهد فيلما حديثا.. أو زوجتك مشغولة بالدردشة مع صديقتها.. ربما لم يعد أمامك بعد هذا الا أن تجرب لعبة مع أصدقائك أونلاين. ولكن الجوانب الإيجابية في الظاهرة المعلوماتية الرقمية أكبر بكثير.. أهمها هي أننا أصبحنا متصلين بالعالم،.. لا حدود للمعرفة.. ولا حدود للتواصل.. ولا حدود لأي شيء. ومع ذلك فان أهم ما في الموضوع ليس هذا الحجم من السهولة واليسر في الحصول علي المعلومة سواء كانت خبرا أو صورة أو رأيا أوتحليلا.. انما هو حجم المسئولية الملقاة علي عاتق من يتعامل مع الفضاء المعلوماتي المحيط بالعالم.. المسئولية لا شك جسيمة لأن هذا الفضاء واسع بدرجة لا يتخيلها أحد.. وتتداخل فيه النوايا الطيبة والشريرة.. والمصالح الخيرة والخبيثة.. والأهداف النبيلة والخسيسة. لذلك فان الصحافة الإلكترونية الحديثة تحتاج الي ميثاق شرف وضوابط أخلاقية ومهنية أكثر مما تحتاجه الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية بعشرات المرات.. ربما تفرض بعض الدول ر قابة علي كثير من المواقع.. وربما تحجب دول أخري الإنترنت نفسه.. ولكن كل ما نرجوه هو وضع ضوابط تشجع علي الأخلاقية والدقة والمهنية.. وتمنع الانحراف بهذه النعمة التكنولوجية الي الهاوية. أعزائي قراء الصحف الورقية.. الذين يقرأون مقالات الكتاب الكبار والشباب في النسخة الورقية.. من حقكم أن تستمتعوا بهذه النعمة التي ستختفي في المستقبل القريب.. فأنا مازلت أحتفظ بكتب عظماء كتاب مصر من طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ والسباعي واحسان وادريس وحقي والحكيم والشرقاوي والصاوي ومصطفي محمود وانيس منصور وغيرهم كثير ممن أقتنيت كتبهم من علي أرصفة سور الأزبكية.. أسعد كثيرا وأنا أتأمل أرفف مكتبتي.. وأسعد كثيرا وأنا أقف أمام بائعي الكتب في المكتبات أو علي الأرصفة.. القراءة الورقية مازالت لها متعتها.. لكن المستقبل بالتأكيد للقراءة الإلكترونية. انها المستقبل بالتأكيد.. وهذا هو التحدي الصعب.