ذكرتني المعركة الدائرة بين المؤيدين والمعارضين لهدم مبني الحزب الوطني الكائن في قلب العاصمة والمحترق بفعل فاعل منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، بالمعركة الدائرة بين جامعة النيل ود. زويل علي الأرض المقام عليها الجامعة..! لم يعد في حياتنا غير أن نختلف ونتشاجر ثم نلجأ للقضاء..! وكأن مشكلاتنا جميعاً قد حُلت، ونبحث عن مشاكل أخري، " بكملت " فلنهدم مباني ونعيد بناء مبان أخري، ولتذهب أموال المصريين إلي الجحيم..! أشعر برائحة ليست طيبة في الأمر، رائحة تأتي عن بعد من رجال أعمال، من هم ، لا أعرف، ولكني أشم رائحتهم جيداً، هذا المبني القابع علي نيل مصر، في أجمل وأغلي مناطق العاصمة، ألا يغري الكثيرين بشراء الأرض وإقامة مشروع استثماري ضخم عليه حين تهدأ العاصفة..!، حدث هذا من قبل في مناطق عديدة، كان والدي رحمة الله عليه يردد كثيراً " أرض الله واسعة "، لكن يبدو أن هذه الجملة لا يعرفها المسئولون بمصر..! حتي حكومة محلب التي أملنا فيها الخير، مالها ومال قرارات هدم هذا المبني الأثري، هل انتهت من مهامها الرئيسية الثقيلة خلال هذه الفترة الانتقالية تجاه المصريين لتجلس وتعقد اجتماعاً موسعاً يصرف عليه من جيوبنا لتخرج بهذا القرار الذي يهدم ولا يبني، وهل هدم مبني كهذا، وضم الأرض إلي محيط مبني وحديقة المتحف، يأتي في إطار حرص الدولة علي التراث الأثري لمصر كما صرحت حكومة محلب، وهل الحفاظ علي التراث الأثري المصري يكون بهدم مبني أثري.. عجبت لك يازمن..! إذا كانت حكومة محلب تغازل الثوار والمصريين بهدم مبني الحزب الوطني، فليعلم الجميع أن الحزب الوطني هو من استولي علي هذا المبني ولم يكن يوما يملكه، وإذا كانت تغازل رجال الأعمال الطامعين في أرض المبني فاللعبة مكشوفة، وأشعر والكثيرون معي أن قرار ضم الأرض للمتحف المصري لإقامة حديقة عليها ليس إلا غطاء لهذا القرار، فالمتحف المصري لن يستفيد من هذه الأرض، وإنشاء حديقة لن تضيف له شيئاً، منذ متي ونحن نحافظ علي حدائقنا حتي نصدق أنه سيتم إنشاء المزيد منها..!، ياحكومة محلب هناك دول تعتز بمبان لم تمر عليها أكثر من خمسين عاماً وتعمل منها مزارات سياحية، والمبني المراد هدمه شهد جزءاً من تاريخ مصر المعاصر منذ إنشائه مركزاً لبلدية مصر في بدايات الستينيات، ثم مقراً للاتحاد الاشتراكي عام 1966، ثم شهد وجود العديد من المؤسسات المهمة مثل المجالس القومية المتخصصة، والحزب الوطني، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس الأعلي للصحافة، وكان يعمل به حوالي 43 ألف موظف، فليعاد ترميمه لهذه المؤسسات التي تم تشريدها واصبحت عبئاً علي أماكن وجودها الآن، أو استغلاله في مشروعات سياحية تدر علي مصر الكثير، خاصة وأنه يعد من المباني الأثرية وقرار هدمه غير قانوني كما جاء في البيان الذي صدر مؤخراً من عدد من الخبراء وأساتذة ومهندسي العمارة والتخطيط العمراني وشارك فيه عدد كبير من الكتاب والصحفيين، الذي أعلنوا فيه الأسباب العلمية والقانونية والاقتصادية لوقف قرار الهدم الذي يشكل مخالفة صريحة للقانون، منها ارتباط المبني بأحداث وشخصيات سياسية ومعمارية،وحصر المبني ضمن قوائم المباني ذات القيمة المتميزة طبقاً للقانون رقم 144 لسنة 2006 برقم توثيق 03180001204، وطبقا لهذا القانون لا يمكن هدم المبني إلا بعد خروجه من قوائم الحصر، علي الحكومة أن تتأني في مثل هذه القرارات ولا تفاجئنا بها قبل عرضها علي خبراء الآثار والهندسة المعمارية، وهناك جهاز يسمي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي لم يتم استشارته في قرار الهدم وهو من صميم اختصاصاته، هناك اقتراحات كثيرة من علماء الآثار والعمارة لاستغلال هذا المبني بما يفيد الاقتصاد القومي لماذا لم يتم النظر فيها وتناقشها الحكومة، كفانا قرارات فرعونية، فلن نسمح بعد ثورتي 25 يناير والثلاثين من يونيو بالعودة إلي الوراء، وعلي كل مسئول في الدولة حين يتخذ قراراً أن يلجاً لذوي الخبرة والاختصاص، علينا أن نبني ولا نهدم.