كانت النظرة السائدة تجاه الأوقاف لفترات طويلة أنها مجرد وزارة دعوية نمطية مسئولة عن شعيرة الجمعة وإقامة الصلوات فحسب، وهذه مهمة جليلة لا يُستهان بها إذا قامت بها الأوقاف علي الوجه الذي يرضي الله (عز وجل),ويحقق المصالح الوطنية العليا وفق خطط علمية مدروسة وهو ما نعمل علي تحقيقه. غير أن هذه النظرة كان قد شابها كثير من القلق والريبة سواء في مستوي الأداء أم في مستوي بعض التصرفات التي كانت تصوب أعينها تجاه السلطة القائمة وتسير أحيانا في ركابها , بغض النظر عن قناعات القيادات الدعوية بالدور الذي تقوم به، وكان في بعض الأحيان وبخاصة في ظل النظام السابق يحدث شيء من الانفصام بين الأوقاف وبين المؤسسة الأزهرية العريقة، أما الانفصام بينها وبين المجتمع وقضاياه فكان يصل إلي حد الظاهرة أحيانا، بحيث يكون الخطيب في اتجاه والناس في اتجاه آخر وشواغل أخري، ولم تكن هناك خطة مدروسة لتناول قضايا المجتمع. علي أن وزارة الأوقاف أحد أهم الأعمدة الصلبة في بناء المجتمع، وبخاصة فيما يتصل بأمنه الفكري وأمنه الثقافي وتوجهاته الأيدلوجية. ومن هنا كانت خطتنا للإسهام في النهوض بالمجتمع مبنية علي عدة محاور: المحور الدعوي : وهو ما نعمل فيه علي التجديد العملي التطبيقي للخطاب الديني، بحيث يكون قائما علي بناء الفرد عقديًا وفكريًا وثقافيًا بناء صحيحًا مستمدًا من سماحة الإسلام، وعلي الإسهام في بناء المجتمع بناء صحيحًا من خلال دعم كل ما يدفع إلي العمل والإنتاج، وإلي تحقيق العدالة الاجتماعية، والتعايش السلمي بين جميع أبناء المجتمع، وترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية والحضارية، ومن هنا كان تركيزنا علي اختيار موضوعات تُسهم في تحقيق هذه الأهداف، مثل : بيان قيمة العمل والإنتاج، بيان أن قضاء حوائج الناس مقدم علي حج النافلة وعمرة النافلة، التكافل الاجتماعي وأثره علي الفرد والمجتمع، دور الزكاة في سد الاحتياجات الأساسية للفقراء .. سداد ديون الغارمين أنموذجًا، الواجب الوطني والواجب المهني، أهمية العلم في حياة الأمم، دعم البحث العلمي، أهمية التنوع الحضاري والثقافي . المحور التنموي : لا شك أن الأوقاف في الشهور القليلة الماضية قد مضت قُدما في اتجاهين: الأول: محاربة الفساد المالي والإداري بالهيئة , و بكل قوة وحسم . والآخر : العمل علي حسن استثمار أموال الوقف، مما جعل هيئة الأوقاف المصرية الأكثر إنجازًا بين الهيئات المستقلة في العام الماضي 2013م، فقد بلغ استثمار الهيئة في تنمية الصعيد نحو مليار ونصف المليار جنيه تقريبا، إضافة لآلاف الوحدات السكنية للشباب علي مستوي الجمهورية، ولها دور في استصلاح الأراضي وتوفير كثير من فرص العمل، وهي بصدد إنشاء شركة للتنمية الزراعية، كما أنها تطور فندقا مملوكا لها أمام معبد الأقصر بتكلفة نحو 150 مليون جنيه بشراكة مع إحدي الشركات التابعة لوزارة الاستثمار، وانتهت من إنشاء وافتتاح خان وممشي أسوان السياحي الدولي بأسوان ب 136 محلا ومتجرا، وتقوم بإنشاء عدد من المدن والمشروعات الحرفية، أهمها مدينة الحرفيين بالغردقة التي تتكون من نحو ألفي وحدة حرفية وإدارية وخدمية، كما أنها بصدد استثمار أوقافها باليونان بما يكون له من مردود اقتصادي وسياحي بالتنسيق مع وزارتي السياحة والاستثمار، وهي بصدد الإسهام في عدد من المشروعات القومية، كما أنها تدرس بعض المشروعات الكبري ، مثل مشروع صوامع الغلال، ومشروع التأمين التكافلي، وشركة الخدمات البيئية، وشركة الصيانة والخدمات. المحور الاجتماعي : أقامت وزارة الأوقاف خلال الشهور القليلة الماضية سلسلة من العلاقات الهامة مع الوزارات والمؤسسات منها: وزارة الشباب، حيث عقدت الوزارة بروتوكول تعاون معها بالاشتراك بينها وبين الأزهر الشريف، للخروج بالشباب من الجمود إلي الانفتاح، وإلي معايشة القضايا الوطنية، ومن ضيق الأفق الثقافي إلي سعته، مع التعرف علي جوانب الوطن والوطنية من خلال معسكرات مشتركة تسهم وزارة الشباب بالجانب الأكبر في الإعداد لها بنزل ومدن الشباب ، ويقوم علماء الأزهر والأوقاف بالإسهام الجاد في التوجيه والتثقيف والعمل علي ترسيخ القيم الأخلاقية والوطنية، وكذلك من خلال أداء الندوات في مراكز الشباب والمعسكرات والتجمعات الشبابية. وكذلك التنسيق مع القوي العاملة في دعم قيمة العمل والإنتاج، والتواصل بين العلماء والعمال من أجل التأكيد علي أهمية العمل في الإسلام، وحثهم علي إتقان العمل، مع التركيز علي حق الوطن علي أبنائه، وعلي ترسيخ القيم والأخلاق، وبث الثقافة الدينية الصحيحة بين هذه الفئات الهامة من المجتمع حتي لا تتخطفها قوي التشدد والظلام. وتعمل الوزارة علي بناء شبكة من العلاقات الإيجابية مع جميع مؤسسات المجتمع، رجاء أن تصل بالقيم الإسلامية الصحيحة إلي الناس في مساجدهم، وفي مدارسهم، وفي مصانعهم، في مدنهم، وقراهم ، ونجوعهم , لأن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق، ونحن نعمل بكل قوة علي سد أي فراغ دعوي، وعدم ترك أي مساحة للمتشددين أو أصحاب الأهواء الخاصة التي تؤثر المصالح الشخصية أو الحزبية أو الفئوية علي المصلحة العليا للوطن . المحور الوطني : أعلنت وزارة الأوقاف عن رسالتها بأنها رسالة دعوية ووطنية، فالجانب الدعوي الشرعي هي تؤدي دورها فيه وفق صحيح الكتاب والسنة، وسماحة الإسلام، وسعة أفقه، واتساع حضارته للبشر جميعا، وكونه رحمة للإنسانية جمعاء، انطلاقا من أن رسولنا محمدًا (صلي الله عليه وسلم) بعث رحمة للعالمين، فقال رب العزة (عز وجل): "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" ولم يقل رحمة للمسلمين فقط أو للمؤمنين فقط، وإنما بعثه رب العزة (عز وجل) رحمة للناس كافة . أما البعد الوطني فنؤكد أننا لا نمارس عملا سياسيا , إنما نؤدي واجبا وطنيا كما كان في موقفنا من الاستفتاء مثلا، حيث أكدنا أن المشاركة فيه إنما هي واجب وطني يحقق مقاصد الشريعة، وركزنا علي أهمية المشاركة الإيجابية والوفاء للوطن، مؤكدين أن الواجب الوطني ينبثق من الروح الإسلامية الصحيحة، فمصر هي القلب النابض للعروبة والإسلام، فقوتها وعزها عز وقوة للأمة العربية والأمة الإسلامية، ومن ثمة ينبغي أن ندرك أن أعداء العروبة والإسلام يعملون علي إضعافها أو إسقاطها لو استطاعوا إلي ذلك سبيلا، ولكن الله حافظها بعنايته، ثم بصلابة وقوة ووعي أبنائها المخلصين، فعلي كل وطني مخلص أن يدرك خطورة تلك المؤامرات التي يسعي إليه أعداؤنا عبر محاولاتهم الخبيثة لإنهاك الجيش المصري، ولن نستطيع أن نقف بقوة في وجه هذه المؤامرات إلا إذا تنبهنا لها، ثم نبهنا بوضوح علي خطورتها، ووقفنا لها بالمرصاد صفا واحدًا، نؤثر المصلحة العليا للوطن علي أي مصلحة خاصة شخصية كانت أم حزبية, غير أننا مع ذلك لم نوجه أحدًا توجيهًا مباشرًا بنعم أو بلا , ولم نسمح لأبناء الوزارة بأن يخوضوا في هذا المعترك في مساجدهم حرصًا علي وحدة الصف ,وألا يسهم المسجد في الفرقة أو يكون ساحة للصراع الحزبي،فالمسجد لما يجمع ولا يفرق. التكامل بين الأزهر والأوقاف : لعل من أهم ما يميز هذه المرحلة في تاريخ الأوقاف هو اتساقها الكامل مع الفكر الأزهري الوسطي، والعودة بالأوقاف إلي محيطها الأزهري ومظلته الكبري بقيادة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/أحمد الطيب شيخ الأزهر، وكان للقوافل المشتركة بين علماء الأزهر والأوقاف أثر بارز في الشهور الماضية، وحتي كتابة هذا المقال هناك قافلتان الأولي: في شمال سيناء والأخري: في جنوبسيناء، استمرت كل منها عشرة أيام، وقد جابت هذه القوافل أنحاء مصر من الأقصر إلي البحر الأحمر إلي سوهاج إلي المنيا ، وبني سويف، والفيوم، والإسماعيلية وبورسعيد، والدقهلية، والغربية، والمنوفية، والشرقية، والإسكندرية، والقليوبية، والجيزة، عازمة علي الوصول إلي كل مصري بصحيح الفكر الإسلامي، وأبعد من هذا الإطار التنظيمي ما يتم في إطار التكامل العلمي عبر الاندماج بين علماء الأزهر والأوقاف من خلال القوافل وبرامج التدريب المشترك، ولجان المجلس الأعلي للشئون الإسلامية , والندوات , والمؤتمرات، عازمين علي أن نؤدي رسالتنا علي الوجه الأكمل تجاه ديننا ووطننا . الأوقاف والبعثات والإيفاد والمؤتمرات الدولية : تقوم الأوقاف إلي جانب الأزهر الشريف بالعمل علي أن يعود لهما بحق دور القوة الناعمة في سياسة مصر الخارجية، عبر ما يقوم به المبعوثون والموفدون من علماء الأزهر والأوقاف من رفع اسم مصر عاليا في البلدان التي يذهبون إليها بنشر سماحة الإسلام وروح الحضارة المصرية الأصيلة. هذا إلي إقامة عدد من المسابقات الدولية والمؤتمرات العلمية التي تسهم في استرداد مصر لريادتها الثقافية والعلمية والدينية في العالمين العربي والإسلامي، بل في شتي أنحاء العالم ، ومن هنا كانت موافقة السيد رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور علي الرعاية الكريمة للمؤتمر الدولي الثالث والعشرين للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف، والذي يأتي تحت عنوان: "خطورة التكفير والفتوي بدون علم علي المصالح الوطنية والعلاقات الدولية" ويقام في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من مارس 2014، إضافة إلي ضم مجموعة من العلماء ووزارء الأوقاف العرب كأعضاء استشاريين بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية. فلسفة الخطبة الموحدة : لا شك أننا في مرحلة فارقة من تاريخ الوطن، لا تحتمل العبث بأي من مقدراته الفكرية أو الثقافية، ولا تحتمل ما يفرق شمل أبنائه ، وإذا كان جمهور الفقهاء قد قرر أن الجمعة لا تنعقد إلا في المسجد الجامع، ولا تنعقد إلا بإذن الإمام، حرصا علي جمع كلمة المسلمين وعدم تفرقهم، فإن الفائدة لا تكتمل إلا إذا كان الجميع علي قلب رجل واحد، وكانت هناك جهة معينة أو وزارة معينة تقدر المصلحة الدعوية والوطنية، بما يتوفر لها من أدوات ومعطيات لا تتوفر لكل فرد أو جمعية علي حده، فمثلا لو تناولنا قضية الإدمان والمخدرات وأثرها المدمر علي الفرد والمجتمع في جميع مساجدنا، ووسائل إعلامنا المختلفة، في توقيت واحد، لأسهمنا بلا شك في معالجة الظاهرة أو إلقاء الضوء علي خطورتها، والتحذير من الانجراف في اتجاهها، وفي كل أسبوع أو أسبوعين يتحدث الجميع في قضية من قضايا الأخلاق، أو العمل، أو المرأة، أو الشباب، أو الأسرة، أو الحقوق والواجبات، ولا شك أن هذا أجدي مائة مرة من أن يتحدث كل خطيب فيما يعن له، ناهيك عن أن التنظيم عن طريق الوزارة يمنع من كثرة التكرار وبخاصة في المناسبات، وفي المساجد التي يكون خطباؤها متغيرين غير ثابتين، فقد يظل هذا وذلك وغيرهما يتحدثان في الموضوع لأسابيع عديدة مما يصيب المستمعين بالملل والسآمة إضافة إلي وجوه أخري سنفرد لها مقالًا خاصًا إن شاء الله تعالي.