هالة العيسوى لو تهاونا في هذه القضية ستصبح كل الممارسات القادمة من قبيل علقة تفوت ولا حد يموت، فلا التزام بقانون لا اعترف به ولا يقنعني. مهلا عزيزي القارئ.. قبل ان تقلب الصفحة وتحتج في سأم متمتماً في نفسك : هو ده وقته؟ صحفيون إيه وتطبيع إيه؟ دعينا نركز اولاً علي موضوعات الساعة.. الإرهاب الذي يضرب أعماق قلوبنا أو الحكومة الببلاوية البالية التي غني عنها شعبولا ووصفها بالحكومة "النونو" . أو حتي الاستفتاء علي الدستور.. أو انتظري حتي نرسو علي بر نبدأ بالانتخابات الرئاسية ام البرلمانية، و نعرف هل سيترشح السيسي أم لا؟ الأولي بنا ان نناقش اوضاعنا الاقتصادية المنهارة ونبحث عن لقمة العيش الناشفة الغايبة اونبدد قلقنا لنعرف هل سنأمن فعلا من الإرهاب اثناء الاستفتاء والانتخابات وهل سيكتمل العام الدراسي بأولادنا علي خير أم لا مادامت وزارة الداخلية التي تعدنا كل يوم بتأمين الاستفتاء مهددة هي في نفسها ومستهدفة ومخترقة؟ وقد تتململ في قرف وتنفث ما تبقي من دخان في عقب سيجارتك قائلاً: "خلونا ننظر الي الغد الي المستقبل.. او علي الأقل نهتم بحاضرنا المعيش". أحب ان اقول لحضرتك ان هذا بالضبط ما أفعله الآن.. وإن اختلفت التفاصيل. فبهذا الموضوع أنظر معك الي الحاضر والماضي ومنهما نحو المستقبل. فلو انغمسنا فقط في همومنا الآنية قد تفوتنا تفاصيل اخري تنهش فينا لاحقا وقد نصحو علي كوارث نتيجة تفريطنا في مناعتنا الوطنية والقومية. قد تتفضل حضرة القارئ وتفسح صدرك لي فتتساءل: وما حكاية " صحفيون ضد التطبيع" هل هم زمرة من الصحفيين ترفض التطبيع؟ أليس كل الصحفيين يرفضونه ويواجهونه بدليل صدور اكثر من اربعة قرارات في جمعياتهم العمومية تؤكد علي ثوابت الجماعة الصحفية برفض جميع اشكال التطبيع بما يشمله من تعامل مع أي اشخاص أو هيئات اسرائيلية لما يضفيه ذلك من شرعية للاحتلال الصهيوني؟ وأجيبك بكل أسف: بلي . لكن قبل ان اسرد لك الحكاية أناشدك ان تأخذ هذه اليوميات ككل متكامل مهما بدت فقراتها متنوعة وستصلك الرسالة بالتأكيد. الحكاية ياسيدي ان عدداً من الصحفيين المصريين ومنهم ثلاثة من اعضاء مجلس النقابة توجهوا الي رام الله تلبية لدعوة من اتحاد الصحفيين العرب، ومن هناك توجهوا الي القدسالشرقيةالمحتلة. وهذا هو مربط الفرس ومكمن الغضبة التي أصابت بقية الزملاء الذين رأوا في تلك الزيارة خرقاً مؤثماً لقرارات الجمعية العمومية والأدهي أن جاء هذا الخرق من أعضاء بالمجلس انتخبتهم الجمعية العمومية من أجل الاستمساك والمحافظة علي الثوابت النقابية والوطنية. لذلك تشكلت هذه الجماعة التي يحمل اسمها عنوان اليوم، لا سيما بعد ان برأت لجنة تحقيق ودية (بما يخالف التشكيل الذي تنص عليه لائحة النقابة في حالات التحقيق) لكنها تضم أسماء صحفية لامعة ذات تاريخ نضالي طويل وقضت جل عمرها تناهض التطبيع مع العدو الصهيوني.. برأت هذه اللجنة المهيبة الزملاء الأفاضل أعضاء المجلس من تهمة خرق قرارات الجمعية العمومية والاتهام بالتطبيع و - مثلك تماماً - ناشدت جموع الصحفيين الالتفات الي قضايا ومعارك مهنية مصيرية كحرية الصحافة وتغيير قانون النقابة وغيره مما يتعلق بمستقبل المهنة. في رأيي نحن امام مهمتين ضروريتين.. الأولي إعادة التحقيق بتشكيل لجنة وفق نصوص لائحة النقابة مع كامل الاحترام للأساتذة والزملاء أعضاء اللجنة الودية وأن تعلن التحقيقات ونتائجها حتي تطمئن الجماعة الصحفية لشفافية أداء مجلس نقابتها، والثانية وأراها أهم لحسم الجدل الدائر حاليا وما قد يحل مستقبلاً من مشكلات مماثلة هي ان تتوافق الجمعية العمومية علي تعريف واضح لمفهوم التطبيع وأن تصاغ قراراتها في هذا الشأن بألفاظ منضبطة ومحددة لا لبس فيها ولا مطاطية ، بذلك فقط نتمكن من الإجابة علي تساؤلات كثيرة منها: هل من يذهب الي أرض عربية محتلة يعتبر " تطبيعا " ولو كان في ضيافة أهلها؟ وهل من يقوم بمهمة صحفية رسمية في اسرائيل.. وأشدد علي طابعها الرسمي بمعني ان يكون مصاحباً لمسئول أو وفد رسمي نعتبره مطبعاً؟ الي غير ذلك من الجدليات التي قد يؤدي التعميم فيها الي أخذ العاطل مع الباطل. الي أن يحدث هذا كان من الواجب علي زملائنا الأعزاء من أعضاء مجلس النقابة علي وجه الخصوص اتقاء الشبهات، وأن يقدروا الدور السياسي والتنويري الريادي الذي تقوم به نقابة الصحفيين - كنقابة رأي أساساً - في المجتمع وبين النقابات المهنية الأخري. وأن يثمنوا المقاعد التي أجلستهم عليها جموع الصحفيين وائتمنتهم علي مقدراتها ومصالحها وألا يستهينوا بقرارات الجمعية العمومية جرياً وراء مغامرة صحفية او فوز مهني. ولو تهاونا في هذه القضية فستصبح كل الممارسات القادمة من قبيل علقة تفوت ولا حد يموت، فلا إلتزام بقانون لا أعترف به ولا يقنعني. حروب الجاسوسية كثيرون يعتبرون ان التجسس علي الحلفاء ليس عيباً. ما الخطأ في ان تتبع زوجة مكالمات زوجها او ان يراقب الأب سلوكيات ابنه؟ ليس من باب الغيرة أو عدم الثقة لا سمح الله، ولكن لتفادي اخطاء كارثية لو ترك الحبل علي الغارب. من منطلق هذه الفلسفة الأبوية والعائلية لم ينتفض المسؤولون في اسرائيل لافتضاح واقعة تجسس الولاياتالمتحدة علي رئيس وزرائهم السابق ايهود اولمرت. هم معتادون علي ذلك وأكثر لكن علي مضض. يصيبهم بعض التأذي لكن دون المغامرة بتعكير العلاقة مع الحليف خاصة وانهم بدورهم يقومون بالتجسس علي الأمريكيين. والمحبة متبادلة . بل ان تاريخ تنصت اسرائيل علي الحلفاء والأصدقاء قديم ويعود ربما الي ما قبل قيامها. عندك مثلاً بن جوريون اول رئيس للحكومة الإسرائيلية كان متورطاً في أمر كهذا فقد كان يحارب مع البريطانيين ضد الألمان بينما كان يناهضهم في فلسطين . كان في لندن عام 1945، من هناك بث تعليماته لمنظمة الهاجاناه الإرهابية في تل ابيب للتعاون مع منظمة الإرجون ضد البريطانيين. وقتها قام عملاء المخابرات البريطانية بالتنصت علي اتصالات بن جوريون وزملائه وجمعوا أدلة تدينه لكنها لم تكن كافية لأن اول وأهم رسالة تم ارسالها عبر محطة اللاسلكي التابعة للهاجاناة في فرنسا. وهكذا كان بن جوريون يتنصت علي البريطانيين وهم بدورهم يتنصتون عليه والتجسس رايح جاي. وعندك أبا إيبان وزير خارجيتهم اجري مباحثات في عام 1968 مع جونار يارنج مبعوث الأممالمتحدة وكانت الصفقة ان يبدأ في جهود لعقد مؤتمر سلام تحضره اسرائيل ويضم مصر والأردن وكان يارنج قد وعد الرئيس جمال عبد الناصر والملك حسين بعدم ترك نسخة من مجمل المباحثات والمقترحات في اسرائيل ربما خوفا من أي تسريبات. أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكنيست وضمت وقتها رئيسهم الحالي شمعون بيريس حكي أبا ايبان ما جري قائلاً: لقد أعطانا يارنج إحدي الفقرات لكن بمجرد ان ادرك انه بمقدوري قراءتها و حفظها في ذاكرتي جذبها مني ورفض ان يترك نسخة منها وكان صارماً جدا في هذا الشأن. لقد أراد ان يتمكن من ترديد الصياغات بحرية دون ان يضفي عليها صبغة رسمية حتي يتم التوصل الي اتفاق بين الأطراف حول المؤتمر" ويسخر أبا ايبان من المبعوث الدولي قائلاً : "لقد أعجب بقدرتي علي تذكر ما قرأه بالضبط لكن الحقيقة اننا كنا قد سجلنا كلامه. لقد اعددنا الترتيبات لتسجيل ماحدث وهو انبهر بذاكرتي القوية!"