عندما تحدثت في يومياتي السابقة والتي نشرت بالأخبار يوم الجمعة الماضي عن موضوع الخروج من النار، أشرت إلي حقيقة مؤكدة وهي خلو القرآن تماما من أي إشارة للخروج من النار سواء للكفار أو المسلمين العصاة . بعكس ما هو شائع بأن الخلود في النار سيكون فقط للكفار والمنافقين، وأن المسلمين إذا دخلوها فهم حتما خارجون منها آجلا أو عاجلا إلي الجنة، وأشرت أيضا - كدليل علي صحة ما أذهب إليه - إلي عدد من الآيات الشريفة في عدد من السور القرآنية تحدثت عن خلود المسلم في النار، مثلما جاء في سورة البقرة جزاء لمن يتعاملون بالربا، وفي سورة النساء جزاء علي معصية الله ورسوله وتعدي الحدود، وفي سورة النساء أيضا جزاء علي القتل المتعمد للمؤمن، وفي سورة الفرقان لقتل النفس بغير الحق واقتراف الزنا .. وقلت إننا مهما بحثنا عن آية واحدة تشير للخروج من النار فلن نجد .. وكما توقعت مسبقا فقد أثارت هذه اليوميات ردود فعل واسعة من جانب القراء، وحفل بريدي الإلكتروني بعشرات الرسائل أغلبها كان يتضمن تأييدا لما أشرت إليه مصحوبا بنوع من الشكر اللطيف علي لفت الأنظار لهذه القضية المهمة، أمّا بقية الرسائل فقد انهال عليّ أصحابها بهجوم شديد لأنني أعسّر ولا أيسّر وأنفّر ولا أبشّر، واستشهدوا بعدد مما يعتقدون أنها أحاديث شريفة منسوبة ظلما إلي الرسول صلي الله عليه وسلم و تتناقض تماما مع ما جاء في كتاب الله .. فيها أن من قال لا إله إلاّ الله دخل الجنة (ما كانش حد غلب) .. وفيها أيضا أنه بشفاعة النبي سوف يخرج من النار كل المسلمين العصاة حتي من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان .. وروايات كثيرة أخري لا يتسع المجال لها .. وللحق كانت هناك رسالة مهذبة من قاريء مهذب أراد أن يعرف حجتي التي استندت عليها في كلامي في إطار أحاديث الشفاعة .. وللقاريء المهذب ولغيره أقول : نعم .. لقد خلا القرآن الكريم من أي إشارة للخروج من النار اللهم فيما عدا ما جاء في سورة هود والذي ارتبط فيه الخلود في الجنة و في النار بخلود السموات والأرض إلاّ ما شاء الله، والذي إذا اعتبرناه دليلا علي الخروج من النار فيجب أيضا أن نعتبره دليلا علي الخروج من الجنة .. فضلا عن الخروج من النار إذا أخذنا به فسيشمل الكفار أيضا، ولذلك أكرر أن تأويل وتفسير ما جاء في سورة هود بهذا الخصوص لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالي ويجب أن ندعه لله تعالي .. أمّا أحاديث الشفاعة أعزائي القراء فهي تتناقض تماما مع ما جاء في القرآن .. فإذا كان القرآن قد أكد خلود المسلم العاصي في النار وهناك حديث مشهور وصحيح يتوافق مع ذلك و فيه أنه بعد الحساب ودخول الفريقين الجنة والنار يقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت .. فكيف نصدّق بعد هذا حديثا يقول إن من قال لا إله إلاّ الله دخل الجنة ؟ .. وكيف نصدّق أن شفاعة الرسول ستخرج المسلمين من النار إذا كان الله سبحانه وتعالي قد خاطب الرسول قائلا : أفأنت تنقذ من في النار .. فضلا عن أن جميع الآيات القرآنية التي تشير إلي الشفاعة التي سيتقبلها الله سبحانه وتعالي يوم القيامة ستكون من جانب الملائكة فقط ولم ترد أي آية إطلاقا تشير إلي شفاعة الرسول صلي الله عليه وسلم .. قولوا لي من أصدق: القرآن أم الأحاديث ؟ ألم نقرأ قوله تعالي : تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون .. وفي الأول وفي الآخر ربنا هو الغفور الرحيم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.