ما اجمل ان يكون المصري المغترب في حالة من الشوق والحنين الي الام مصر ، متلهفا لرؤياها والقاء نفسه في احضانها مفضفضا اليها بكل ماجال ويجول بخاطره اليها .. بالانتماء الذي وضعه رسول الانسانية ومعلم البشرية محمد صلي الله عليه وسلم حينما خرج من مكة مهاجرا فوقف علي مشارفها ووجهه ناحية الكعبة المشرفة قائلا( والله انك احب بلاد الله الي الله واحب بلاد الله الي نفسي ولولاان اهلك اخرجوني منك ما خرجت) وعندما عاد الي مكة فاتحا قال لاهلها ماتظنون اني فاعل بكم قالوا خيرا اخ كريم وابن اخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء. واليكم خواطر مغترب مصري يجسد فيها اسمي معاني الانتماء قائلا : كنت عائدا يوما بسيارتي من امريكا داخلا كندا حيث إقامتي وعلي الحدود أعطيت جواز سفري الكندي الي الموظفة ففتحته وبالطبع كان فيه أني مولود بمصر فقالت: كيف حال مصر؟ بخير ونرجوا الله ان تبقي بخيرمنذ متي وانت تعيش في كندا؟ أوشكت ان تنتهي السنة العاشرةمتي زرت مصر..؟ منذ ثلاثة أعوام فنظرت إليّ وهي تبتسم وسألتني..من تحب اكثر مصر ام كندا؟ فنظرت اليها وصمت قليلا ثم قلت لها: الفرق عندي بين مصر وكندا...كالفرق بين الام والزوجة .. فالزوجة نختارها ونرغب فيها الجمال ونحبها ونعشقها ولكني لو تزوجت بأجمل نساء العالم فلن تنسيني امي اما الام فلا نختارها ولكني مِلكُها فحبي لأمي له مذاق اخر .. فأنا لا ارتاح الا في أحضانها ولا أبكي الا علي صدرها ولا اتمني الموت الا في تراب تحت أقدامها فأغلقت جواز سفري وراحت تنظر لي بشئ من العجب وقالت: نسمع عن زحامها وحرها وضيق العيش فيها فماذا تحب في مصر قلت لها أتقصدين أميفابتسمت وقالت ولتكن أمك فقلت احب فيها طفولتي .. احب فيها ذكرياتي احب ضربها لي وانا صغير تعلمني احب حتي وانا مريض علي صدرها. قد لاتملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة طبيب يعالجني ولكن حنان أحضانها وهي تضم جسدي الملتهب ولهفة قلبها وانا ارتعش بين يديها يُشفيني بلا دواء ولا طبيب فراحت تدقق بنظرها في وجهي وهي تسألني 10 أعوام ومازال الحنين باق في قلبك لها ومازلت تذكر ذكرياتك فيها فقلت لها: إن نسيت أنا إن نسيت تذكرني الاماكن والأشياء فهذا الشارع ان سرت فيه يذكرني حين كادت عربة ان تصدمني ووقعت برأسي علي هذا الحجر من هذا الرصيف .. وهذا المطعم ان مررت عليه يناديني ويحكي لي كم أكلت فيه مع أصدقائي وكم ضحكنا وكم ملكنا الدنيا في شبابنا .. وهذه الشجرة يروي لي ظلها كم جلست فيه ساعات وساعات .. حتي بحرها ما ان يراني حتي تجري أمواجه مسرعة نحوي تسألني تطمئن علي احلامي التي كنت احكيها لها ثم تمسح بمياهها علي ظهر قدمي تواسيني فكم من هموم بُحت بها لها وكم من دمع سقط فيها وراح يضرب الصخر معها. حين ازور مصر فان اجمل ما فيها هذا الحوار الصامت بيني وبينها سيدتي أنا إن نسيت فأمي لا تنسيفمالت قليلا الي الامام علي مكتبها وقالت لي " صف لي مصرفقلت هي ليست بالشقراء الجميلة ولكن ترتاحي اذا رأيت وجهها وليست العيون بالزرقاء ولكن تطمئني اذا نظرت اليها .. ثيابها بسيطة ولكن تحمل في ثناياها طيبة ورحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ولكن في عنقها عقد من سنابل قمح تطعم به الجائع سرقها كل سارق واغتصبها كل مغتصب ولكنها ما زالت تبتسم بل وتسامح. وفاء بالعهد وضعت جواز سفري علي مكتبها ثم وضعت كلتا يديها عليه وقالت لي: أنا زرت مصر منذ 4 أعوام ولم اري ما وصفت لي ذهبت بخيالي بعيداً ثم عدت إليها ونظرت في عينيها وقلت لها: انت زرت مصر التي تقع في شمال شرق افريقيا علي الخريطة اما أنا فأتحدث عن مصر التي تقع في أوساط وديان قلبي فمدت يدها تعطيني جواز سفري وهي تقول: أراك تقول شعرا في مصر وارجو ان يكون وفاؤك لكندا مثل وفائك لمصر ثم ضحكت وقالت اقصد وفائك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك فأمسكت بجواز سفري وأشرت اليه قائلا: أنا بيني وبين كندا وفاء وعهد ولست أنا من لا يوفي بعهده .. واعلمي ان الوفاء بالعهد هذا ما علمتني إياه أمي فلمعت عيناها وأشارت بيدها كي ادخل كندا فقلت لهالقد هيجتي في قلبي شجونا تحتاج اياما وأياما كي تهدأ .. وانصرفت.