اتفقنا أم اختلفنا.. فإن التعليم الحديث والبحث العلمي هما نقطة اتفاق جماعي بكونهما المشروع القومي رقم واحد علي قائمة الأولويات.. هذا سبيلنا الوحيد ولا غيره من سبيل إذا أردنا الالتحاق بركب التقدم في عصر من لا يتقدم فيه يتخلف، كفانا تلكؤا فانظروا كيف يتقدم الآخرون ولتختم الحلقات السابقة عن طرف من أيام قضيناها في ورشة عمل »بجامعة ييل« إحدي أعرق وأهم والأكثر ثراء بين الجامعات الكبري في الولاياتالمتحدة هي وهارفارد. ورشة العمل هذه كانت إعدادا لمؤتمر مكتبة الإسكندرية الدولي الذي يعقد بمقرها في شهر يونيو لتحويل دعوة أوباما »بداية جديدة« مع أمريكا والمسلمين في أركان الدنيا إلي مشروعات وعمليات تحول ذلك الخطاب من فكر وكلمات إلي واقع وأفعال... جامعة ييل استجابت مشكورة وتولي »هارولد أتريدج« عميد كلية دراسات الألوهية استضافة أعضاء الورشة وإعدادها بمساعدة السفيرة »د. سلامة شاكر« المساعد سابقا لوزير خارجية مصر وهي أستاذ زائر حاليا بجامعة ييل حيث نوقشت في الورشة الأوراق التي تقدمت بها مكتبة الإسكندرية وأعدها »د. محسن يوسف« بتكليف من د. إسماعيل سراج الدين. جامعة ييل هذه إحدي جامعتين اثنتين علي الساحل الشرقي هما الأعرق والأرفع والأكثر ثراء بين جميع جامعات الصف الأول.. بدأت ييل التي دخلت قرنها الرابع الآن بكلية لتخريج رجال الدين البروتستانت بمقر صغير في مدينة أصغر نيو هايفن New Haven بولاية كونيتيكت وهذه ولاية السكني المختارة لدي أثرياء الساحل الشرقي من ذوي الأموال العريقة تعرف (بأولد ماني) أو عصب الاقتصاد الذي قامت عليه الولاياتالمتحدة.. مدينة نيو هيفن هذه تحولت إلي مدينة جامعية كل سكانها ذوي ارتباطات وظيفية بالجامعة التي أصبحت تمتلك معظم المدينة... قبل المضي لابد من تقديم صورة سريعة للمدينة التي ليس لها من مثيل في أمريكا إذ تبدو لك وكأنها ديكور لفيلم تاريخي.. مبانيها وبيوتها التزمت بطراز المعمار القوطي Gothic وأضافت الطبيعة بهذا الشتاء الأبيض طابعا أسطوريا بأشجارها سوداء عارية يسترها الثلج الأبيض فما أروعها من طبيعة موحشة.. هذه الجامعات الأهلية في أمريكا تحظي بهبات قيمة جدا من أثرياء المجتمع هبات بالملايين وفق نظام أوقاف مستمد من نظام الأوقاف المصرية الذي ألغيناه نحن في بلادنا.. عائلات وأفراد قدموا مقتنيات فنية نادرة وأموالا بالملايين وأحدث منحة تلقتها هذه الجامعة بلغت 051 مليونا من فرد واحد لم يعلن عن اسمه بناء علي رغبته! تعرفون كم يبلغ مجمل أوقاف ييل؟ احبسوا أنفاسكم: 3.1 ترليون دولار (!) أما الميزانية السنوية للجامعة فلا تقل عن مليارين، ومع ذلك لأن الخدمات والانفاق علي كل طالب كبير جدا تجد مصاريفها مرتفعة جدا تصل إلي 05 ألف دولار في العام، إنما يوجد أكثر من سبيل متاح أمام النابهين من غير القادرين أولها ما تيسره هذه الجامعة إذا ما تأكدت من الأحوال المادية الضعيفة شريطة أن يكون الطالب علي مستوي ذهني رفيع هذا غير أن الحكومة الفيدرالية تقدم معونة سنوية لهذه الجامعات العليا تسهيلا لالتحاق النابهين.. والبنوك الأمريكية تتيح قروضا للتعليم الجامعي تسدد بعد التخرج. شهدنا فيلما قصيرا عنوانه لماذا اخترت ييل يقدم الحياة الجامعية بكل وجهاتها يطلع المشاهد وكأنه يعايشها وكله في قالب موسيقي غنائي راقص برتم عصري يضج بمباهج حياة الشباب الجامعي فإذا سألت ستعرف ان جميع المشاركين في الفيلم ليسوا غير طلبة وطالبات وليسوا من المحترفين.. من جولة سريعة في الحرم الجامعي الرئيسي تعرف أن لكل كلية سمتها الخاص بما يستوعب نحو أربعمائة طالب وطالبة (لا يوجد اختلاط في السكن) ولكل كلية نشاطها الخاص من ندوات واحتفاليات ومناسبات اجتماعية وتوافر مساحات شاسعة أمام النشاط الجامعي ولابد من وقفة هنا فهذه مسألة أساسية حيوية تستوعب طاقات الشباب فيما يفيدهم ويقيهم لأن تنمية الشخصية إلي جانب التحصيل والعلم من الخصائص المهمة واكتشاف الشخصيات القيادية من المهام التي يوجه لها اهتمام خاص لتأهيلهم مدنيا لخدمة المجتمع.. النشاط التطوعي المنتظم ركن أساسي من الحياة الجامعية لأنه ينمي الشعور بالمسئولية المدنية هذا التوجه الأساسي لدي هذه الجامعة التي تري أن أجيال الشباب هؤلاء هم من سيعايشون هذا القرن الواحد والعشرين وعلي الجامعة أن تهيئهم لقرن مختلف ومتداخل ويجب ألا يكون متنافرا بل متناغم ومتجاوب بمعني أدركوا أن بات من الضروري إعداد منهج ينفتح علي العالم ومشاكله متفهم للمجتمعات الأخري متقبل للثقافات.. من هنا أدركوا أهمية تدويل مناهج الدراسة Internaionalization of curriculum وإتاحة اختلاط الجنسيات والثقافات بين الطلبة وبالسفر الذي تموله الجامعة أحيانا بل تشجع علي التحصيل في البلاد الأخري كتجربة ضرورية للتفاهم والتقارب بين الشعوب.. الانفتاح يتبدي في توسع القبول للطلبة من أنحاء العالم بنحو متزايد عما كان معمولا به في السابق وفي جلسة مع نائبة رئيس الجامعة قالت انهم لاحظوا النسبة الضئيلة للطلبة القادمين من الشرق الأوسط خصوصا من المصريين وقالت بوضوح أن ييل تشجع علي التحاق النابهين من كل الجنسيات مع تقديم كل التسهيلات المالية الممكنة فسألتها عن الشروط فقالت التفوق.. احراز الدرجات ثم الأهم بعد ذلك المقابلة الشخصية التي يجريها مندوب عن الجامعة يسافر خصيصا لها إلي حيث المتقدمين من الطلاب الاستعداد الذهني للطالب وفق المستوي المطلوب أهم شيء... أما كيف يكون سبيلهم الأول للتقدم فأمامهم الموقع الإلكتروني علي النت www.yale.edu... اللهم قد بلغت.