مصر الحضارة والثقافة والتاريخ والكتاب والقلم، مصر أقدم دولة عرفها التاريخ الإنساني، مصر بلاد العزة والكرامة وقوة الإرادة علي مر العصور والأزمان، فتحت ذراعيها وصدرها لرسالة الإسلام الخالدة، دخلها عمرو بن العاص ليري خيراتها العديدة بنهرها الدفاق وأرضها الخضراء الساحرة ونسيمها العليل قال عنها الله (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) البقرة 61. انها أرض الكنانة بلاد الأمن والأمان قال تعالي: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ) يوسف 99 (وَأَوْحَيْنَا إِلَي مُوسَي وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يونس 87. هذه البلاد الطيبة واجهت تحديات جسام في تاريخها المعاصر تجاوزتها بعد كفاح مرير لقواتها الوطنية وشعبها الأصيل، عام 1956 هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر وتصدي جيش مصر وشعبها للعدوان الثلاثي (بقوة) لذلك الغزو الغادر، وفي عام 1967 جاء ما هو أدهي وأمر (حرب) 1967 عندما احتلت اسرائيل كامل سيناء بدعم صارخ أمريكي وغربي واتحد الجيش والشعب ليصبح اكثر صلابة ضد الاحتلال الصهيوني خلال حرب الاستنزاف. عام 1973 جاء قرار (المعركة) الفاصلة بعد بناء (القوة) بشروطها ومقوماتها المعروفة فقضت تلك المعركة التاريخية في شهر رمضان المبارك الذي يحتفل المسلمون به اليوم ويتعطرون بروحانيته علي غطرسة وأحلام وصلف وعناد وطموحات جيش الدولة العبرية الذي انكسر وتحطم علي مطرقة قوة الجيش المصري خير أجناد الأرض، هم الضباط والجنود البواسل الذين كسر اجدادهم شوكة جيوش التتار الذي أرعب جيوش العالم في زمانه ليتلقي ضربته القاضية علي يد جيش مصر في معركة عين جالوت التاريخية في رمضان المبارك عام 658ه، انه هو الجيش الوطني الذي حمي ثورة 25 يناير 2010 وثورة التصحيح 30 يونيو ونأي بنفسه عن معترك السياسة. هذه البلاد بأرضها المباركة وخيراتها المتعددة وعنصرها البشري متعدد المؤهلات والخبرات ومواردها الطبيعية من نفط وغاز ومعادن نفيسة وموارد طبيعية أخري، تعرضت لأزمات وتحديات جسام خلال الستين عاما الماضية وسجل التاريخ لشعب مصر وجيشها القوي التصدي بقوة الرجال وعزائم الأبطال لكل محتل وغاز. مصر منذ أول يوم لثورة التغيير لنظام قديم إلي نظام سياسي جديد والبلاد تعيش عدم استقرار أمني وسياسي ملحقا الضرر الجسيم في الاقتصاد والتنمية وامتد أثره ليزداد الفساد والفقر والبطالة ولترفع البلطجة رأسها عاليا تعوث فسادا في البلاد والعباد. منذ ثورة 25 يناير 2010 تعاقب علي إدارة شئون البلاد ثلاث حكومات، حكومة د. شرف، حكومة د. الجنزوري، حكومة د. قنديل، واليوم بعد ثورة التصحيح، جاءت حكومة الدكتور حازم الببلاوي وهو خبير اقتصادي معروف أتذكر اشتراكنا سويا في ندوة في مركز الجزيرة بثتها قناة الجزيرة مباشر حول الأبعاد السياسية والاستراتيجية للأزمة المالية العالمية وهي في أوج زلزالها بتاريخ 29 أكتوبر 2008 . الدكتور الببلاوي الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية في حكومة شرف بخبرته الاقتصادية المتميزة جاء ليحمل إرثاً ثقيلاً اقتصاديا وإداريا، ولذا جاءت حكومته من (التكنوقراط) حكومة كفاءات وخبرات كما يصفها، لإنقاذ الاقتصاد المصري، أعمدتها نائب لرئيس الوزراء للشئون الأمنية ونائبا للشئون الاقتصادية، وهذا يعكس الاهتمام بأولوية الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي المتردي. وسينضم إلي هؤلاء الخبراء وزراء عدة من التكنوقراط لقيادة سفينة التطوير والبناء في ديار أم الدنيا، بعد أن بلغ عجز الميزانية حوالي (120) مليار جنيه وكسر الدين الداخلي والخارجي (1.2) تريليون جنيه، وتراجع الاحتياطي ليبلغ (13.4) مليار دولار ناهيك عن تدني إيرادات السياحة وزيادة نسبة التضخم وتدني سعر الجنيه ليكسر حاجز (7) جنيهات للدولار الواحد وعزوف الكثيرين عن الاستثمار وخروج بعضهم مغردين خارج عباءة سوق الأوراق المالية. ولا شك ان نجاح الوزارة أو الوزير يكمن في وضع الخطط والأهداف والاستراتيجيات وجداول زمنية لتنفيذها في الواقع المعاش .. وإلا ستبقي كل الأمور والأهداف والنتائج المرجوة حبر علي ورق. واذا كانت بعض الدول العربية قد سارعت بعد الثورة التصحيحية إلي دعم اقتصاد مصر، فالسعودية قدمت (5) مليارات والإمارات (4) مليارات والكويت (4) مليارات ليبلغ المجموع (13) مليار دولار، فهذا واجب عربي فلطالما وقفت مصر إلي جانب أشقائها العرب في اليسر والعسر، فان الدول العربية الأخري مدعوة لدعم اقتصاد أشقائنا في مصر. اعتقد أن الحكومة الجديدة (المؤقتة) حددت الأهداف والنتائج المرجوة خلال فترة وجيزة ووسدت المناصب إلي مستحقيها، وبذا فان وجود القائد الاقتصادي والإداري علي رأس عمله يستمد وجوده من انجاز الأهداف والنتائج المتوقع ان يحققها بحكم منصبه، وهذا هو أسلوب الدول المتقدمة التي سبقتنا، ولعل حكومة الدكتور الببلاوي استعرضت العبر والدروس التي مرت بها الحكومات الثلاث السابقة ووضعت الخطط والاستراتيجيات لتلافيها. واذا كانت أرض الكنانة وأهلها أهلنا قد مروا بسنوات عجاف، فان الله الذي طهرها من المستبد فرعون فأنجاهم منه وزمرته سيسبغ عليها بإرادته الأمن والاستقرار حاضرا ومستقبلا واعدا وحري بالعلماء وأهل الحل والعقد والسياسة والأحزاب وكل الطوائف والمفكرين والأدباء والمثقفين والاعلاميين وأهل الفكر والرأي السديد في مصر الشقيقة ان يتحدوا ويتآزروا صفا واحدا كأسنان المشط تحت مظلة المصالحة الوطنية، معتصمين بحبل الله جميعا، فالرسول صلي الله عليه وسلم وصف أهلها بالكرم والطيبة وعلو الطباع فقال صلي الله عليه وسلم (اذا فتحتم مصرا فاستوصوا بأهلها خيرا).