بين الحين والآخر احب ان آكل وجبة خفيفة.. ليس في كل وقت اتناول وجبة طعام تتكون من كذا.. وكذا.. وكذا.. وما تكون الوجبة الخفيفة الا بعض الشطائر او بالتعبير الدارج »ساندويتش« سريع.. ولا يحدث مرة واتناول فيها ذلك »الساندويتش« الا واتذكر استاذ مادة اللغة العربية في مدرستي الابتدائية وهو يسألني بينما كنت اتناول وجبتي الخفيفة اثناء الفسحة المدرسية.. »تعرف يا محمد تقولي ايه اللي انت ماسكه في ايدك ده«.. سارعت بالاجابة.. ساندويتش جبنه بيضا، اتفضل يا استاذ«.. ابتسم استاذي قائلا.. »اشكرك كثيراً، ما كنت اسألك عنه هو مدي علمك باسم اللغة العربية لما تأكله الان، الساندويتش باللغة العربية اسمه شاطر ومشطور وبينهما طازج« طبعاً التعبير فيه من الصعوبة ما يسر وضعه عن جدارة في ذاكرة النسيان مع كثير من التعبيرات والمفردات اللغوية الصعبة التداول.. تذكرت اليوم ذلك التعبير »الصعب« في الفهم والتداول والاستخدام وانا أقرأ خبراً عن بدء امتحانات الثانوية العامة هذا الصباح.. لو حذفنا بعض نقاط العبارة سنجد امامنا تعبيرا جديداً يلخص وضعاً راهناً يحدث الان.. »ساطر ومسطور، وبينهما طالب«.. اما الساطر فهو كاتب سطور الكتاب المدرسي ومؤلف المنهج وواضع اسئلة الامتحان ومقرر تعليمات الامتحان وسبل تنظيمه.. وما المسطور الا سطور صفحات الكتاب المدرسي الذي يتسلمه الطالب اول العام الدراسي والمنهج المقرر في السنة الدراسية وسطور اسئلة ورقة الامتحان التي يتسلمها الطالب اليوم من مراقب لجنة الامتحان.. وفيما بين الساطر والمسطور، يقع الطالب الصغير صاحب الستة عشر عاماً طازجاً!! هذه »الوجبة« تشكلت لأن المنهج الدراسي الذي وضعه مؤلفو المناهج كانت صعوبته اكثر من يسره الي درجة افقدته متعة تعلمه.. تشكلت هذه »الوجبة« لأن الكتاب المدرسي اصبح عسير »الهضم« من الطالب ذي المستوي المتوسط الفهم وهو الاكثرية بين طلاب مصر.. تشكلت هذه »الوجبة« لانعدام الانضباط والالتزام في سير العملية التعليمية داخل المدارس، وهي المهمة الثقيلة التي يتصدي لها وزير التربية والتعليم الان مسلحاً بعزمه وتأييد ودعوات ملايين الآباء والامهات واولياء الامور الذين يتمنون ان يتعلم ابناؤهم التعليم الصحيح الذي يقيم صلبهم ولا يكتفي بنجاحهم فقط.. تشكلت هذه »الوجبة« لأن الطالب فقد »حب« التعلم والمعرفة واصبح ينتظر مجئ العلم اليه في صورة »الملخص الوافي لسهر الليالي« والذي يعده احد مدرسي الدروس الخصوصية يقدم فيه للطالب ما يكفيه للاجابة عن الاسئلة التي تضمن نجاحه فقط لا غير، وذلك بدلاً من ان يذهب الطالب باحثاً ومنقباً وسائلاًعن العلم ومعارفه.. تشكلت هذه »الوجبة« لأن اسرة الطالب - كل طالب في كل مرحلة تعليمية - تناست دورها في تعليم ابنها وسلمته »طازجا« لمدرسي ال »سنتر« واكتفت بدفع رسوم حصة الدرس الخصوصي وكأنها ادت دورها كاملاً لتعليم أبنائها.. ان تعليم الاجيال ليست مهمة وزير ووزارة فقط لكنها ايضاً مهمة ولي امر واسرة، فاذا كان الطالب يقضي نصف وقته التعليمي في المدرسة مع مدرسيه، فانه يقضي نصفه الآخر في المنزل مع أسرته الأسرة عليها مهمة لا تقل اهميتها عن اهمية الوزارة، فليتعاون الجميع حتي ننقذ ابناءنا من مصير »الوجبة« التي يرحب كثيرون بالتهامها.. بسرعة، فهم يدركون انهم يلتهمون مستقبل الأمة.. بعضهم بغرض الربح المادي دون أن يعي ما يفعله في سبيل كسب الأوراق النقدية والاخر يدرك تماماً ما يفعله بهدف التدمير لمجرد الانتقام من المصريين بناة الأهرامات..