بعد 20 سنة على تركه اليابان لا يزال صدى المدرب الفرنسي ارسين فينجر يتردد في بلاد الشمس المشرقة التي تحولت من بلد مغمور في عالم كرة القدم الى مصدر نحو البطولات الاوروبية الكبرى. لم يترك المدرب الهزيل انطباعا جيدا فقط لزملائه في ناجويا جرامبوس الذي اشرف عليه لفترة 18 شهرا بين 1995 و1996، بل لكامل اسرة كرة القدم في اليابان. ينقل لاعب وسط ناجويا السابق تيتسوو ناكانيشي (43 عاما) الذي عمل كمترجم لفينجر عن مدربه: "مرروا الكرة للمستقبل. التمريرة الجانبية هي الحاضر والخلفية للماضي". يضيف: "كان مروجا للعب الهجومي، وقدم فريقه لعبا ممتعا واحب اللاعبون ذلك". عندما عاد فينجر للمرة الاولى الى ناجويا هذا الاسبوع، جاء جمهور عريض بلغ 43 ألف متفرج باللون الأحمر لالقاء التحية عليه ورفع لافتات كتب عليها "اهلا بك في بيتك، بينجيرو (فينجر)". قبل فوز ارسنال على ناجويا 3-1، خاض لاعبو الفريق السابقين، من بينهم مدرب الفريق الحالي الصربي دراجان ستويكوفيتش، مباراة تذكارية على شرف الفرنسي. تأمل المهاجم السابق تاكافومي اوجورا (40 عاما): "المدرب فينغر تذكر اسماء الجميع. شعرت بالحنين عندما رأيتهما (فينغر وستويكوفيتش) سويا. لقد مضت 17 سنة. انه امر رائع!". كانت الاثارة واضحة في ناجويا بعدما حول فينجر النادي في اولى السنوات الدوري الياباني للمحترفين، من فريق متواضع يصارع للهرب من الهبوط الى محرز للالقاب، قبل ان يرحل لتدريب ارسنال الانجليزي ويقوده الى لقب الدوري 3 مرات والكأس اربع مرات. قال الكاتب المخضرم يوشيوكي اوسومي: "كانت خسارة وصدمة ان يتم التخلي عن فينغر بهذه السرعة منتصف موسم 1996، لكنه اصبح بعد ذلك من انجح المدربين في تاريخ اللعبة. عائلة كرة القدم اليابانية فخورة بذلك". مع ذلك، يمتد ارث فينجر ابعد من ناجويا، اذ اصدر كتابا عن الادارة الرياضية "روح الاستيلاء" للسوق اليابانية. صحيح ان "البروفسور" ليس الوحيد الذي اثر على الكرة اليابانية، الا ان طريقة لعب المنتخب الوطني تشبه طريقة لعب ارسنال الجذابة والتي تتمتع بالتمرير القصير. نجاح اليابان كان باهرا، فاحرزت كأس اسيا اربع مرات اخرها عام 2011، وستخوض نهائيات المونديال لخامس مرة متتالية في البرازيل 2014. وفي اولمبياد لندن 2012، ادهشت اليابان منتخب "تيكي تاكا" (اسبانيا) في الدور الاول من المسابقة. اما كرة السيدات، فقد تربعت على العرش العالمي في 2011 وهي سابقة لدى المنتخبات الاسيوية. يعتبر تولي المدرب الهولندي هانس اوفت الاشراف على اليابان بين 1992 و1993 مفصليا للعبة، لكن فينجر الذي رفض عرض تدريب "الساموراي الزرق" يدين بمساعدة الاتحاد على تعيين مواطنه فيليب تروسييه بين 1998 و2002. كما يدين فينجر لناجويا بترويض المشاكس ستويكوفيتش، عندما قاد الفريق ليحرز لقب كأس الامبراطور والحلول وصيفا في مسابقة الدوري عام 1996. اصبح ستويكوفيتش، احد ابرز عشاق فينغر، مدربا لناغويا وقاده الى احراز اللقب عام 2010. قال اوسومي: "احد ابرز نجاحات فينجر في ناجويا كان في مساعدة عبقرية ستويكوفيتش لتحقيق الالقاب... لو اشرف فينغر على اليابان عام 1998 لكان الدوري والاتحاد الياباني في مظهر مختلف تماما". وصل ابن ستراسبور الى اليابان بعد سبع سنوات مع موناكو، واعجب بطريق العيش الاسيوية، خصوصا الحمية اليابانية، ومفهوم "فنغ شوي" وهي فلسفة صينية نشأت منذ حوالي 4000 سنة، تتلخص في فن التناغم مع الفضاء المحيط وتدفقات الطاقة من خلال البيئة والتصالح مع النفس ومع الطبيعة المحيطة بالإنسان وبذلك يستطيع التعايش بشكل إيجابي بدون توتر. استعمل فينغر هذه الخصائص في مشروعه لتطوير طرق تدريب ارسنال وثقافته. عبر عن دهشته لتطور اللعبة في اليابان، التي كانت تعتمد سابقا على اللاعبين الاجانب وتصدر المحليين الان الى البطولات الخارجية، على غرار شينجي كاجاوا لاعب وسط مانشستر يونايتد الانجليزي، يوتو ناجاتومو مدافع انتر ميلان الايطالي، كيسوكي هوندا لاعب وسط سسكا موسكو الروسي ونجم سلتيك الاسكتلندي السابق شونسوكي ناكامورا. اصبحت اليابان، المصنفة 37 عالميا، المنتخب الاقوى على الساحة الاسيوية بدون اي شك، وبلغت الدور الثاني من المونديال في مناسبتين، على ارضها عام 2002 وعام 2010 في جنوب افريقيا. ارتفعت حدة التوقعات، لدرجة ان الانتقادات كانت عنيفة بعد خروج اليابان من كاس القارات الشهر الماضي من دون اي فوز، وعلى رغم الخسارة الضيقة امام ايطاليا 3-4. قال فينجر (63 عاما): "تقدمت كرة القدم اليابانية بشكل رائع. لا اعتقد انهم مرشحون للفوز بكأس العالم اليوم، لكن عندما ترى فرقهم العمرية، تعتبر من القوى الضاربة في العالم. هذا يعني ان الخطوة التالية ستكون بلوغ نصف نهائي او نهائي كأس العالم".