كان تشارلز ميلر، ابن ساو باولو المنحدر من أسرة اسكتلندية، هو من أدخل كرة القدم إلى البرازيل عندما عاد إليها من إنجلترا. ولكن بعد ذلك بوقت قصير، كان الفضل للمهاجرين الإيطاليين الذي لعبوا دوراً حاسماً في توسيع قاعدة شعبية كرة القدم بجعلها تعبر حدود الأندية. لكن هؤلاء المهاجرين لم يكونوا يتخيلون أنهم بصدد بناء الأساس الذي قام عليه عملاق هذه الرياضة الذي سيأتي على الأخضر واليابس بعد عقود من الزمن وسيخلق العديد من المشاكل لإيطاليا في كأس العالم ، ولا سيما في نهائي أم البطولات مرتين. وفي حديث لموقع فيفا الرسمي، يقول فرناندو جالوبو، المؤرخ والإعلامي الذي ألف العديد من الكتب عن الاندية الإيطالية: "الصحفي اللامع توماس مازوني، مؤلف العديد من الكتب حول تطور كرة القدم في البرازيل، يشرح أن هذه الرياضة بينما كانت في مهدها، ومن خلال طبيعتها النخبوية، كانت تُعتبر حدثاً اجتماعياً. كانت مثل الذهاب إلى السينما أو المسرح. كان الناس يختارون العرض الأفضل، ولم يكونوا يميلون لنادٍ معين باعتماد معايير أخرى. كان الأمر مسألة عرض وفرجة إلى حد كبير." وجاء انتشار كرة القدم في ساو باولو من خلال إنشاء نادي عمال المصانع الكبيرة، الذي لم يكن يملك مقراً في البداية حيث كان يلعب في ملاعب مرتجلة أو عشوائية في مختلف الأحياء، قبل أن يشرع في بناء تاريخه شيئاً فشيئاً. وجاء العديد من المهاجرين الإيطاليين للعمل في مزارع البن بالمناطق الداخلية في البرازيل، ثم أخذوا ينتقلون إلى المدن لامتهان جميع أنواع الحرف. حينها بدؤوا يلعبون دوراً حاسماً في تطوير كرة القدم. جالية الأوريوندي: تأسس نادي باليسترا ايطاليا في عام 1914، حيث أصبح أهم ممثل للمهاجرين الإيطاليين في البرازيل وحتى عام 1930، كانت تعقد جميع الإجتماعات باللغة الإيطالية. أما في عام 1920، فقد أصبح النادي يملك ملعب باليسترا إيطاليا، والمعروف أيضاً باسم باركي أنتارتيكا. وتطور النادي على مر السنين حيث فاز بالعديد من الألقاب، قبل أن تتجاوز رمزيته حدود الجالية الإيطالية، ويتخذ لنفسه اسماً آخر. وخلال الحرب العالمية الثانية، بأمر من حكومة جيتوليو فارجاس، أصبح يمنع على أية هيئة رياضية أن تحمل اسم إحدى دول المحور: ألمانيا وإيطاليا واليابان. وبناءاً عليه، قرر مجلس الإدارة إطلاق اسم بالميراس على النادي، محتفظاً في الوقت نفسه بالأحرف الثلاثة الأولى من الإسم الأصلي. نفس الشيء ينطبق على نادي سوتشيتا سبورتيفا باليسترا إيطاليا في مدينة بيلو هوريزونتي، الذي تأسس في عاصمة ولاية ميناس جيرايس في عام 1921، قبل أن ينمو أيضاً بشكل كبير، ليصبح اسمه الرسمي هو كروزيرو، في إشارة إلى الصليب الجنوبي، الذي يزين العلم البرازيلي. قصة أخرى: أما كلوب أتليتيكو يوفنتوس فقد أظهر تنافسية كبيرة في العقود الأولى التي تلت تأسيسه لكنه فشل في محاكاة تطور وتقدم الأندية الأخرى المنحدرة من أصول إيطالية، حيث يقبع تحت ظل أندية نخبة البرازيل أو ولاية ساو باولو، دون أن يفقد دوره الإجتماعي القوي، محافظاً على لونه العنابي على مر السنين والعقود. ولغرابة الصدف، فإن يوفنتوس البرازيلي يلعب بلون تورينو، الغريم التقليدي ليوفنتوس الإيطالي. فبعد حضور ديربي تورينو خلال رحلة إلى بلاد الكالتشيو، اقترح كوندي رودولفو كريسبي اعتماد اسم السيدة العجوز للنادي الذي كان قد أسسه للتو في حي موكا. في البداية، كان يوفنتوس البرازيلي يلعب بقميص من اللونين الأسود والأبيض، ولكن بما أنه انضم إلى اتحاد توجد فيه أندية عديدة تلعب بنفس اللونين، مثل كورينثيانز وسانتوس، اختار كوندي رودولفو كريسبي اللون العنابي. وكتب فرناندو جالوبو وأنجيلو إدواردو أجاريلي وفيسنتي رومانو نيتو في كتاب جلورياس دي أوم موليكي ترافيسو: "في ظل ذلك، بحث يوفنتوس على لون فريد لم يكن يلعب به أي من فرق الدوري. وبناءاً على اقتراح من واحد من أعظم المحسنين، الذي كان يفضل تغيير الإسم بالكامل، تم اختيار الأبيض والعنابي، على غرار نادي تورينو." ولم يكن يوفنتوس أبداً واحداً من النوادي البرازيلية الكبرى، ولكن ذلك لم يمنعه من اكتساب سمعة راقية وقدر كبير من التعاطف الجماهيري. إذ يؤكد بيليه أنه في ملعب هذا النادي، الواقع بشارع جافاري، سجل أفضل هدف في مسيرته أمام 5000 متفرج. كان ذلك في يوم 2 أغسطس/آب 1959 حين فاز سانتوس على يوفنتوس 4-0. وقال أحد المعلقين مازحاً: "إذا صح قول كل أولئك الذين يدعون أنهم شاهدوا هدف بيليه ذاك في جافاري، فلا بد أن هذا الملعب كبير إلى حد يجعله يضاهي ضخامة ماراكانا." من هنا وهناك: في ذلك الوقت، كانت كرة القدم قد أصبحت بالفعل رياضة وطنية بالغة الأهمية، علماً أن البرازيل، بمهاجمها النفاثة بيليه، كانت قد فازت للتو بلقب كأس العالم 1958. في تلك البطولة، كان الشاب الأسمر المعجزة لا يتجاوز 17 عاماً من عمره ولم يكن يحمل بعد لقب "الملك". وفي المقابل، كان خوسيه ألتافيني أو مازولا هو الذي سجل الهدف الأول للبرازيل ضد النمسا. ثم عاد ليجد مرة أخرى طريقه إلى المرمى في تلك المباراة قبل أن يخسر مكانه في التشكيل الأساسي. وبعد أربع سنوات، في تشيلي، لعب مرة أخرى في كأس العالم ، ولكن هذه المرة بألوان إيطاليا. وبعد نهائيات السويد 1958، كان لاعب بالميراس السابق قد انضم إلى صفوف ميلان، حيث بقي حتى عام 1965. وبعد مروره بفريقي نابولي ويوفنتوس، أصبح كاتب عمود ذائع الصيت بين الكتاب المتخصصين في كرة القدم الإيطالية. وأوضح مازولا ذات يوم في صحيفة لانس: "كان الأمر بهذه البساطة. في ذلك الوقت، لم تكن لديك أية فرصة لتلقي الدعوة للعب في المنتخب البرازيلي اذا كنت تلعب في ناد أجنبي. أية فرصة على الإطلاق. كان عمري حينها 23 أو 24 عاماً، ولم أكن أريد أن أفوت فرصة اللعب في كأس العالم. لست أنا من غادرت البرازيل، بل البرازيل هي التي استغنت عني." ولكنه لم يكن أول برازيلي لعب مع المنتخب الايطالي. ذلك أن دور إيطاليا في ولادة أكبر قوة في كرة القدم العالمية عاد بالنفع على إيطاليا نفسها، حيث كانت بلاد الكالتشيو تستقطب نوعاً معيناً من الوافدين: عباقرة كرة القدم. وبناءاً عليه، كان الجناح أنفيلوجينو جواريسي، أو فيلو، أول أبناء المهاجرين الإيطاليين في بلاد السامبا الذين تألقوا بقميص الأزوري. فقد فاز مع ايطاليا بكأس العالم 1934 ، حيث استهل مشواره مع الكتيبة الزرقاء بالمشاركة في المباراة الأولى، التي انتهت بانتصار واسع للبلد المضيف 7-1 على حساب الولاياتالمتحدة. وفجر جواريسي مهاراته في بورتوجيزا قبل أن ينتقل إلى باوليستانو وكورينثيانز ومن ثم إلى لاتسيو، الذي دافع عن ألوانه في مواسم 1931-1937. في روما، كان يشعر وكأنه في ساو باولو حيث كان يلعب إلى جواره أربعة لاعبين سابقين في كورينثيانز، من بينهم المدافع الممتاز دل ديبيو، لدرجة أن فريق العاصمة الإيطالية كان يسمى في بعض الأحيان برازيلاتسيو. بل إن نادي لاتسيو لعب خلال موسم 1931-1932 بفريق مؤلف في مجمله من البرازيليين، وكان معظمهم من فريقين باليسترا، حيث كان على رأس هذا التشكيل الإستثنائي نجم كورينثيانز السابق أميلكار باربوي، الذي كان يتولى مهمة المهاجم الأساسي والمدرب الأول على حد سواء. لكن التجربة لم تدم طويلاً، حيث وجد الفريق نفسه يكافح من أجل تفادي الهبوط. عاد بعض اللاعبين بسرعة إلى البرازيل، ولكن أفراد عائلة فانتوني، وهم في الأصل من ولاية ميناس جيرايس ولعبوا كلهم مع كروزيرو في السابق. فقد قرر خمسة من أعضاء هذه الأسرة البقاء في روما للعب مع نادي لاتسيو، حيث كان نيجينيو أشهرهم، وقد تدرب مع المنتخب الإيطالي قبيل كأس العالم إيطاليا 1934 ، ولكن لم يتم الإحتفاظ به في المجموعة النهائية. واليوم، بعد قرابة 80 عاماً، يُعتبر لاعب خط الوسط تياجو موتا، الذي فجر مواهبه في يوفنتوس، يُعتبر من اللاعبين الذين يحلمون بالمشاركة مع المنتخب الإيطالي في كأس القارات ، حيث يتقابل البرازيل مع إيطاليا وجهاً لوجه في سلفادور يوم 22 يونيو. ولعل تلك المباراة ستشكل فرصة كبيرة لكثير من أبناء جالية أوريوندي للذهاب إلى الملعب والإستمتاع بالعرض الكروي الذي لا شك أنه سيكون في مستوى التطلعات. ففي نهاية المطاف، يخرج الجميع مستفيداً دائماً من هذه العلاقة الحميمة البرازيلية-الإيطالية.