قلائل هن لاعبات كرة القدم اللواتي قطعن مسافات طويلة كهذه وأظهرن التزاماً بهذه الدرجة كما فعلت الحارسة الأسترالية ليديا ويليامز. حيث نشأت ابنة الشعب الأصلي لبلاد الكنغر في واحدة من أبعد المناطق الأسترالية، ولكنها شدّت الرحال إلى أقصى شمال السويد لقطع خطوة جديدة في مسيرتها. وموطنها الجديد، القريب من دائرة القطب الشمالي، يبدو في عالم مختلف تماماً عن المكان الذي ترعرعت فيه والذي كانت تسكنه حيوانات الكنغر ويشتهر بطبيعته الصحراوية. ولطالما تم اعتبار ليديا ويليامز في مجموعة الطليعة من المواهب الأسترالية الشابة بعد ست سنوات أمضتها مع المنتخب الوطني. وبدت أنها في طريقها لخطوة كبيرة على مستوى الاحتراف عندما حلّت الكارثة. ففي المباراة الثانية لها مع نادي بيتيا السويدي العام الماضي تعرّضت لإصابة في الركبة. إلا أن ويليامز اختارت، ولمرة جديدة خلال مسيرتها، الطريق الصعب وتخلت عن الدلال الذي تنطوي عليه فترة نقاهة لمدة سنة في السويد. وبفضل نظام التدريب القاسي وأخلاق لعبها، وصفها مدرب المنتخب الأسترالي السابق ومدرب منتخب بنات العم سام الحالي توم سيرماني بأنها "شخص يُحتذى به من الطراز الرفيع" وأعرب عن أمه بأن تحصد ثمار ذلك في السنوات المقبلة. اتجهت ويليامز حتى الآن إلى نسختين من كأس العالم FIFA، ولكن كونها ظهرت فعلياً لمرة واحدة، فإن جلّ ما تتأمله هو تميل بلادها في كندا 2015 وأكثر من ذلك حتى. كما حققت يوم الأحد الماضي إنجازاً آخراً في مسيرة مشرفة، حيث ارتدت للمرة الأولى قفازات حارسة نادي بيتيا لتفتتح مشوار الفريق في الدوري الجديد بمواجهة نادي دامالسفينسكان. مشوار إلى القمة: وُلدت ويليامز لأب من السكان الأصليين وأم أمريكية، وأمضت سنواتها الأولى في كالجورلي وهي منطقة نائية وبعيدة جداً عن صخب المدن الحديثة. حيث تبعد حوالي 600 كيلومتر عن أقرب تجمّع حضري، وهو مدينة بيرث، التي تعتبر بحدّ ذاتها أبعد مدن العالم. وفي حوار مع موقع فيفا قالت ويليامز: "انتهى المطاف بوالدي، الذي كان زعيم قبيلة من السكان الأصليين، بتدريس الدين في مجتمعات ومستعمرات صغيرة معزولة، ولهذا فقد ترعرعت أثناء الترحال حول الصحراء. في بعض الأحيان، كنا نذهب لأيام وهو ما جعلني أتعلم أن أعيش في البراري وأقوم بالصيد وأنجو دون أن أملك الكثير." أتذكر أني كنتُ أعثر على حيوانات كنغر مصابة على طرف الطريق، بينما صغارها في الجراب، كنتُ آخذها معي إلى المنزل وأرعاها لتصبح أليفة. مثل هذه القصص كانت تُذكر زميلاتي السويديات، رغم أن هذا أمرٌ ليس شائعاً في أستراليا، بل يتعلق بليديا ويليامز فقط!" ربما لم تدرك ويليامز ذلك في حينه، إلا أن ممارستها العديد من الألعاب أثناء مراهقتها في البراري كان له تأثيرٌ كبير على مستقبلها. وقالت في هذا الصدد: "لعبت كرة القدم الأسترالية على التراب الأحمر في الصحراء، ولهذا فإنني لطالما كنت أعرف الركل والتقاط الكرة. عندما وصلت إلى كانبيرا في الثالثة عشرة من عمري، كانت مركز حارسة المرمى هو الوحيد المتبقي، وبدا ذلك أمراً مناسباً تماماً." قفزة كبيرة: رغم أنها كانت حارسة مؤهلة في كانبيرا وعضوة بارزة في رابطة كرة القدم في العاصمة الأسترالية، إلا أن ويليامز اختارت الاحتراف في مكان بعيد جداً. وقالت عن ذلك: "بالنسبة لي، كنتُ بحاجة لأن أكون حول فريق، وإلا فإني سأظل أبحث دائماً عن الحافز. فالفريق يدفع المرء ويجعله يملك مستوى إضافياً من الدعم. شعرت أنني غير قادرة على التطور ذهنياً مع موسم كانبيرا يونايتد الذي يمتد لثلاثة أشهر فقط. بذلتُ جهوداً كبيرة على المستوى الذهني، ولكن جسدياً تحسنت كثيراً." ورغم أنها خاضت سنة كحارسة بديلة مع نادي شيكاغو ريد ستارز في سنوات المراهقة، إلا أنها استغلت الفرصة وانتقلت إلى السويد. وقالت وباتسابمة تعلو وجهها: "حلت لي فتيات أستراليات عن الجوانب الإيجابية فقط في السويد. لكن عندما وصلتُ إلى هناك كانت الحرارة حوالي 24 درجة تحت الصفر، وعندما غادرتُ كانبيرا كانت 38 مئوية. دعم نادي بيتيا كان مذهلاً. شجعوني في كل خطوة، ولم يتوقفوا عن دعمي. كوّنت صداقات رائعة هنا وكان الترحيب حاراً جداً." آمالٌ كبيرة: كررت أستراليا تأهلها إلى ربع النهائي في كأس العالم 2007في النسخة التالية. وكانت المنتخب الأسترالي في ألمانيا 2011 من بين الأصغر في البطولة وبقيادة مدربة جديدة هي الهولندية هسترين ريوس لتدخل بنات بلاد الكنغر في مرحلة انتقالية وتأسيسية هامة. وقالت ويليامز في هذا الصدد: "يوجد الكثير من اللاعبات الشابات اللواتي يدخل إلى صفوفنا، وهو أمر عظيم، رغم أننا لا نزال بحاجة إلى بعض الخبرة بطبيعة الحال. آمل أن نتمكن خلال السنوات المقبلة من المنافسة على ميداليات." يُذكر أن رحلة ويليامز إلى ألمانيا، وزميلتها من السكان الأصليين كياه سايمون، كانت محور برنامج تلفزيوني وثائقي. وتذكر هذا اللاعبة المتألقة ذكريات ألمانيا 2011 بحب شديد مع أمل بالعودة للعرس الكروي العالمي وأن تصبح لاعبة أولمبية: "الجو في ألمانيا كان مختلفاً، إني سعيدة لكوني خضتُ هذه التجربة. لقد أشعل ذلك في داخلي شيئاً وهو أمرٌ أريد بالتأكيد اختباره مجدداً."