** لم أكن عبقريا.. ولا ملهما حين كنت أول من أشار إلى أن تفاقم أزمة حادثة استاد بورسعيد، وتفاعل الجدل حولها.. إعلاميا، وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك البيوت، يرجع فى المقام الأول.. وأيضا الأخير، إلى تأخر اتخاذ القرارات الواجبة عقب انتهاء المباراة، وفى فترة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أيام على أقصى تقدير.. وقلت الاتحادات المحترمة فى العالم كله، تحرص على معالجة أى حدث، أو أى خطأ.. باتخاذ القرارات المناسبة، فى أسرع وقت ممكن، لأن هذه القرارات هى الكفيلة ليس فقط بتحقيق العدل، والردع، ولكن لأنها أيضا الكفيلة بقتل الجدل، ووأد الفتنة فى مهدها.. ولم يعد مثل هذا الأمر مقصورا على الاتحادات الشهيرة، مثل الاتحاد الدولى لكرة القدم، أو الاتحادات الشهيرة فى دول أوروبا، ولكن وصل هذا الأمر إلى الاتحادات العربية، وتابعنا بالفعل قرارات عقابية، وتربوية يتخذها الاتحاد الإماراتي لكرة القدم، والاتحاد السعودى، وغيرهما.. وعلى ما يبدو أنه لم يعد هناك غيرنا على وجه الأرض يعانى مثل هذا التخلف الفكرى.. والتواضع الإدارى.. وغياب القدرة على اتخاذ القرار فى أسرع وقت! لماذا أكتب هذا الكلام؟ وما هو الغرض منه بعد أن هدأت ردود الفعل كثيرا حول الحادثة؟ الحقيقة أن ما دفعنى إلى هذه المقدمة، هو ما جرى بنفس الصورة، ولكن فى اتجاه آخر، وتحديدا فى ناديى الأهلى والزمالك.. فقد كان من المفترض أن يتم اتخاذ قرار حاسم.. سريع، فى موضوعين وقعا مؤخرا، بما يمنع وقوع أى تداعيات، وتفاديا للقيل والقال، أو تفاقم الأمر.. وهو ما لم يحدث، لأنه الفكر الذى يتعامل به العالم، ويحرص من خلاله على حسم المشكلات بأسرع وقت، حتى لا يزيد حجمها، أو تمتد آثارها.. وفوق هذا وذاك، فهم لا يملكون رفاهية تبديد الوقت، كما نفعل عندنا، فى مسألة، أو مشكلة، أو قضية، يمكن أن تنتهى فى دقائق، فما الداعى إذن لأن تعيش لأيام وأسابيع؟!! الحكاية الأولى من الأهلى، وكلام عن خلاف مكتوم بين كابتن فريق الكرة، حسام غالى، والمدير الفنى "مانويل جوزيه"، ولم يعرف أحد ما هى الحكاية؟ وخرج من ينفى وقوع أى شىء، وأن الأمور فى أفضل حالاتها، ثم يخرج كلام عن عودة اللاعب للمران، وأن العلاقة عادت إلى طبيعتها بين الاثنين، ولكن يفجر "جوزيه" المفاجأة حين يؤكد أنه لن يبقى على حسام غالى، لو حدث واستمر فى مهمته! كان الكلام بمثابة المفاجأة للجميع، فقد اتضح أن كل ما قيل لم يكن صحيحا، وأن هناك مشكلة حقيقية منذ اللحظة الأولى، ولكن لم يخرج أحد ليرد بشكل واضح.. ومحدد، ويضع النقاط فوق الحروف، أو يتخذ قرارا يحسم به هذا الجدل، وهو ما لم يحدث، حتى أعلن الرجل عن رحيله يوم الجمعة الماضى. الحكاية الثانية بطلها لاعب الزمالك "شيكابالا"، الذى تجاوز فى حق مدربه لحظة تبديله فى مباراة المغرب الفاسى، فى دور الستة عشر لدورى الأبطال الأفريقى، وتحول الموضوع إلى مكلمة فى الفضائيات، وعلى صفحات الجرائد، وراح الكل ينقل عن وجهات نظر فى العقوبة، بين من يرى ضرورة اتخاذ عقوبة تربوية حقيقية، وبين طرف يرى الاكتفاء بعقوبة مالية، ولكن مرت الأيام.. حتى وصلت إلى ستة أيام، دون أن يصدر القرار، ولم يختلف الأمر عما جرى فى قرارات حادثة بورسعيد.. ماذا ننتظر لكى نتحرك؟ لماذا نحتاج لكل هذا الوقت لنتخذ القرار؟ ما هو المطلوب لكى نفعل ما يفعله غيرنا فى توقيته المناسب وبالشكل المناسب؟ هى مشكلة حقيقية، ولست أدرى هل هى مشكلة فى آليات اتخاذ القرار أم في الذين يتخذون القرار؟ لو كانت الأولى فمن الممكن أن نتجاوزها.. أما لو كانت الثانية، وهو الاحتمال الأقرب.. فقل على الرجال السلام!! ** كنت أرى دوما أن المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، ليسوا مطالبين بأن يتكلموا عن الرياضة، أو أن يضعوا لها نصوصا فى برامجهم الانتخابية، أو حتى يستغرقوا فى وعود، لم يكن مطلوبا أن يورطوا أنفسهم فيها، ومبررى فى هذه الفكرة، هو القناعة الشخصية بأن الرياضة، يتعين أن تكون دوما بعيدة عن السياسة، لأن خلط أحدهما فى الآخر يفسده.. والاهتمام الحقيقى بالرياضة لا يكون إلا من خلال قانون عصرى لا يكتفى بملامسة الحاضر، ولكن أيضا باستشراف آفاق المستقبل، وكذلك من خلال الاهتمام بنص له قيمته فى الدستور، وهو ما حدث بالفعل، على أرض الواقع من لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشورى، التى دعا رئيسها النائب محمد حافظ إلى جلسة للحوار حول تصور شكل الرياضة فى الدستور الجديد، وشهدت الجلسة التى حضرها وكيلا اللجنة ياسر حسنين، ورائد زهر الدين.. وباقى أعضاء اللجنة، والدكتور كمال درويش، والكابتن عبدالعزيز عبد الشافى، والعامرى فاروق عضو مجلس إدارة النادى الأهلى.. ولم يكن هناك أفضل من هذا، لأن الخدمة الحقيقية للرياضة لا تكون من خلال وعود انتخابية، إنما من خلال عمل حقيقى.. على أرض الواقع، وهذا ما تفعله هذه اللجنة التى تستحق مكانها ومكانتها بالفعل. ** تكلم البرتغالى "مانويل جوزيه" كثيرا فى مصر.. ولا شك أنه أصاب مرات، وأخطأ مرات، وقد عاود الرجل ممارسة عادته مرة أخرى، فى أعقاب مباراة فريق استاد مالى فى دور الستة عشر من دورى الأبطال الأفريقى، وقال كلاما كثيرا تحفظت على كثير منه، بعضه يدور حول أنه هو الذى طور الكرة المصرية، وأنه فاز مع الأهلى بعدد بطولات كبير، بينما الزمالك فاز عبر تاريخه كله بإحدى عشرة بطولة للدورى لا غير!! وهكذا أطلق الرجل صواريخه فى أكثر من اتجاه، وبدا وكأنه شديد الإصرار على إثارة الجدل، وإثارة الصخب، وأيضا إثارة الحساسيات بين الأهلى والزمالك، من جديد، مع أن من أجمل وأفضل ما حققته ثورة 25 يناير، هى تلك القناعة بأن الوطن الذى اجتمع على كلمة واحدة من أجل مستقبل أفضل لا يمكن أبدا أن تكون الكرة، أو الأهلى والزمالك، سببا فى تفرقته، أو قطع أوصاله. كنت قد قررت الرد على كل ما قاله "مانويل جوزيه".. لأن المصالح الوطنية العليا، تسبق فى أهميتها أى شىء آخر، لا الأهلى ولا الزمالك، ولا أى ناد آخر مهما كان، وقد وصلنا بالفعل، إلى مرحلة يريد فيها الجميع أن نتخلص من التعصب وآثاره المدمرة، والتى أوصلتنا إلى حادثة مثل حادثة استاد بورسعيد، ولذلك ليس من السهل، ولا من المفروض أن نترك من يعبث فى هذه الجزئية ليقول ما يشاء ولا يجد من يرد عليه، أو يرده عن كلامه.. المهم أنه لم يعد لأى رد على الرجل أية قيمة، فقد رحل عن منصبه، ولم يعد من اللائق، ولا من الفروسية أن أتكلم عنه، وهو لم يعد هناك.. ولا يتوجب إلا توجيه الشكر له، مع خالص الأمنيات بالتوفيق.