يعتقد كثيرون من المعنيين بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية أن الأزمة الأخيرة بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة نتانياهو هي أزمة عابرة وتعود العلاقات بعدها الي مجاريها مثلما عادت بعد الأزمة العابرة بين إدارة الرئيس جورج بوش الأب وحكومة إسحق شامير عام1991, لكن المفكر اللبناني زياد الحافظ يري الأزمة حقيقية وستتصاعد. ويعزو الحافظ ذلك الي منظور داخلي جديد للسياسة الخارجية الأمريكية ستكون له تداعياته علي الصراع العربي الإسرائيلي يؤدي الي اظهار تناقض المصالح بين الطرفين, ويرصد مؤشرات لذلك في المؤسسات الأمريكية السياسية والعسكرية والاكاديمية ونقابات العمال ومراكز الأبحاث, والتفكير تعكس الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل بمفهوم السلام والحل علي أساس دولتين وليس بمفهوم التوسع الصهيوني, وتنامي القناعة لدي الإدارة بأن ملفات المنطقة الساخنة من أفغانستان حتي فلسطين مرورا بالعراق وإيران باتت مترابطة, لكن حافظ يلفت الي ان الإدارة الأمريكية لم تبلور حتي الآن رؤية استراتيجية للتعامل مع هذه الملفات سواء معا أو كل علي حدة. كما يري أن الإدارة باتت علي قناعة أيضا بأنه من المستحيل وقف البرنامج النووي الإيراني من دون التعامل مع البرنامج الإسرائيلي, ويري أن واشنطن ستطرح تعاملا مع السلاح النووي في الشرق الأوسط يشمل إسرائيل, كما يؤكد أن الحملة التي تقودها مصر لإخلاء المنطقة من السلاح النووي ستساعد واشنطن علي وضع استراتيجية لهذا التعامل الشامل. العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: ويري المفكر اللبناني زياد الحافظ أن النفوذ الصهيوني في الولاياتالمتحدة قد بدأ في الأفول, ومؤشرات ذلك عنده الكتب التي بدأت في الصدور لفضح اللوبي الصهيوني ودوره السلبي في تهديد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بسبب الانحياز الأمريكي لإسرائيل, والمؤسسات اليهودية الجديدة مثل جاي ستريت التي تحاول التأثير علي السياسة الأمريكية من أجل قيام دولة فلسطينية في أراضي1967 لضمان بقاء دولة إسرائيل, وتعاظم التحركات الشعبية المناهضة لسياسات إسرائيل مثل مقاطعة أكاديميين أمريكيين لنظرائهم الإسرائيليين وللجامعات الإسرائيلية, وتصفية الكنيسة البرسبيترية استثماراتها في إسرائيل, ومقاطعة البضائع الإسرائيلية خاصة المنتجة في المستوطنات. ويضيف: أن العدوان علي غزة نهاية2008 ومطلع2009 والجرائم التي شاهدها العالم كان لها تأثير عظيم علي الرأي العام الأمريكي رغم محاولات التمويه وتشويه المقاومة وتجلي ذلك في تحرك نقابات العمال, وامتناع عمال ميناء لوس انجلوس عن افراغ السفن الإسرائيلية إبان العدوان علي غزة, ويستطرد الحافظ أمين عام المنتدي القومي العربي أنه من الخطأ اعتبار الأزمة بين إدارة أوباما وحكومة إسرائيل أزمة عابرة بل هي حقيقية لأنه بات واضحا لدي صانعي القرار في البيت الأبيض وفي مراكز الأبحاث وفي مجموعات التأثير( النخب الحاكمة) أن المصالح الأمريكية تتقاطع مع المصالح الصهيونية, وأن هناك مصالح أمريكية استراتيجية لا يستطيع الكيان الصهيوني أن يؤمنها كما كان الأمر حتي مطلع الألفية الثالثة. ويوضح: أن الفشل في حرب صيف2006 ضد لبنان وفي حرب غزة أقنع القادة العسكريين في البنتاجون بأن إسرائيل باتت دون المستوي في الأداء العسكري, وقد تتحول الي عبء استراتيجي. لكن زياد الحافظ ينبه في نفس الوقت الي انه من الخطأ أيضا اعتبار ذلك لمصلحة العرب, لأن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية لاتزال علي حالها, أي استمرار السيطرة علي منابع النفط والالتزام بأمن إسرائيل لكن بمفهوم جديد( خاص) وليس وفقا للمفهوم الصهيوني القائم علي التوسع وعدم منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في أرضه لاقامة دولته.. فمفهوم الهيمنة الأمريكية هنا هو المصالح الاستراتيجية الأمريكية وليس مصالح إسرائيل. هنا يأتي دور العرب في العمل علي الاستفادة من المنظور الداخلي للسياسة الخارجية الأمريكية وتداعيات ذلك علي الصراع العربي الإسرائيلي, ويشرح زياد الحافظ: لتحقيق المصالح والأهداف الاقليمية للسياسة الأمريكية في عهد إدارة أوباما فإن الإدارة ومراكز التفكير ومجموعات المصالح الأمريكية تري الآن أن هناك ارتباطا بين جميع الملفات الساخنة, وأن النقطة المركزية لحل الصراع العربي الإسرائيلي الآن هي الحل علي أساس قيام الدولتين, ويتجلي ذلك واضحا في السياسة والتصريحات ومنها علي سبيل المثال قول جاري سامور المسئول الأول عن قضايا الطاقة إن حل القضايا الساخنة في مجال الطاقة بات مرتبطا بحل قضية الشرق الأوسط وبإحلال السلام, وإن الإدارة الأمريكية الحالية جادة في هذا الشأن. ويؤكد زياد الحافظ أن الإدارة الأمريكية لن تكف عن ممارسة الضغوط في هذا الاتجاه من أجل احلال السلام وحل الدولتين, لكنه ينبه في نفس الوقت الي ان ذلك لن يتحقق غدا أو أن الإدارة ستنجح غدا أو العام المقبل أو بعد سنوات معدودة لأن هناك في المقابل أسبابا وعقبات تكبل الإدارة منها الامكانات المالية لتحقيق هذه الأهداف, والأزمة المالية التي تحول دون بلورة الإدارة هذه الأهداف في استراتيجية للتعامل مع كل هذه الملفات بشكل متكامل أو حتي بشكل منفرد, مايحرمها من شغل موقع المبادر, وهذا مايفسر حالة الارتباك التي تشوب تعامل الإدارة مع هذه الملفات. الملف النووي الإيراني يري زياد الحافظ أن هناك تباينا بين مصالح الولاياتالمتحدة ومصالح إسرائيل حول الملف النووي الإيراني نتيجة وصول الإدارة الي قناعة بأنه بات من المستحيل ايقاف المشروع النووي الإيراني أو تملك إيران المعرفة التكنولوجية النووية وحتي الحصول علي السلاح النووي, وعدم جدوي بذل أي مجهود لايقاف ذلك ما لم يتم التعامل مع البرنامج الإسرائيلي النووي. وبرغم غلبة الحديث عن العقوبات ضد إيران إلا أن زياد الحافظ يري أن الإدارة الأمريكية ستنتهي إلي بلورة استراتيجية جديدة هي استراتيجية احتواء كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.. وسياسة الاحتواء هذه تختلف عن سياسة العقوبات أو الضربة العسكرية لانها سياسة طويلة المدي وأكثر ضررا من الضربات المباشرة أو العقوبات التي تقوي النظام الحاكم( في إيران) بدلا من إضعافه.. وهذه الاستراتيجية قائمة علي فكرة إخلاء المنطقة من السلاح النووي, وهو أمر لن يتحقق من دون أن يشمل إسرائيل. هنا يلفت زياد الحافظ النظر إلي أهمية الحملة الدولية والاقليمية التي تقودها مصر التي لديها مبادراتها الدولية في هذا الشأن لنزع السلاح النووي من المنطقة, وجعلها خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل كافة من أجل كشف غموض البرنامج النووي الإسرائيلي, والضغط علي إسرائيل للانضمام للمعاهدة النووية الدولية, والخضوع لنظام الضمانات والتفتيش المعمول به من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويقول: لايمكن لأحد أن يتصور أن الولاياتالمتحدة لاتنسق هذا الأمر مع مصر, فالرئيس الأمريكي يعلم أنه لايمكن أن يجند العالم ضد إيران بسبب ملفها النووي ما لم يعالج الملف النووي الإسرائيلي, ويشير في هذا الصدد إلي ما ذكرته صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم7 ابريل الماضي عن توقف زيارة علماء الذرة الإسرائيليين للولايات المتحدة, وهي الزيارات التي كانت تتم تحت غطاء التعرف علي آخر التطورات التكنولوجية, فالادارة الأمريكية لم تعد راغبة في تزويد إسرائيل بتلك المعرفة. ويضيف: أن ذلك يأتي في اطار ماسماه برودة مشاعر لرموز المؤسسات العسكرية الأمريكية تجاه إسرائيل ومن ذلك علي سبيل المثال تسريب الادارة عن عمد لوسائل الاعلام الأمريكية شهادة الجنرال بترايوس أمام هيئة الأركان المشتركة, والتي أفاد فيها بأن سياسات حكومة نتانياهو تهدد حياة الجنود الأمريكيين في كل من العراق وأفغانستان, وكذلك شهادة الجنرال دايتون الذي كان مسئولا عن تدريب قوي الأمن الفلسطينية بالضفة الغربية التي أفاد فيها بأن سر نجاح التعبئة للشباب الفلسطيني هو التلويح بإقامة الدولة, أما سياسات حكومة إسرائيل فانها تهدد امكان استمرار السيطرة علي هذه القوي( الشباب الفلسطيني). وهناك أيضا موقف الأميرال مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي كان يحاضر مطلع شهر مايو الحالي بجامعة ويست فرجينيا أمام حشد من الطيارين وسأله أحد الطيارين متي ستكون المواجهة العسكرية بين الولاياتالمتحدة.. وإسرائيل؟ ولم يكن السؤال مفاجئا ومدهشا بل الأكثر دهشة هو جواب مولن علي السؤال غير المباشر, الأمر الذي فاجأ الطيارين لأنه أعطي انطباعا بأن السؤال جدي وليس من قبيل الخيال العلمي.. ولم تقف الأمور عند هذا الحد, بل أجاب مولن اجابة غير مباشرة أيضا علي سؤال طيار آخر حول ما اذا كان سيصدر لهم أوامر باسقاط الطائرات الاسرائيلية فوق الأجواء العراقية إذ ما حلقت لقصف المفاعلات النووية الإيرانية. ويختتم زياد الحافظ بالقول: إنه برغم هذه التطورات فإن الولاياتالمتحدة لاتزال عاجزة عن أخذ زمام المبادرة في أي قضية ساخنة في المنطقة سواء في أفغانستان أو العراق أو الصراع في الشرق الأوسط أو إيران, ما لم تقم القيادات الأمريكية باصلاحات في بنية النظام السياسي تتيح لها أخذ زمام المبادرة.. فالمسألة لاترتبط بهذه الملفات, وإنما بكون الولاياتالمتحدة أساسا أمام خيارين.. اما الحفاظ علي الجمهورية أو الحفاظ علي الامبراطورية. إشارات اضافية لاتقتصر إشارات الغضب الأمريكي علي ما يؤكده زياد الحافظ فقط بل هناك أيضا اشارات أخري عميقة الدلالة بعضها يتصل بالجانب النفسي والفكري, ويكشف عنه, ففي لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز مع خبراء وباحثي مركز دراسات الشرق الأوسط بواشنطن الأسبوع الماضي روي لهم في بداية اللقاء نكتة أدهشت الحضور والسياسيين والأوساط الاعلامية في الولاياتالمتحدة, وأثارت تساؤلات لاتزال تتردد في واشنطن ودوائر صنع القرار ومراكز التفكير, والأبحاث حول أسباب روايتها وأبعادها في هذه الفترة. ونكتة جونز هي: أن عنصرا من حركة طالبان في أفغانستان ضل طريقه إلي معسكره وتاه في الصحراء, ولمح كوخا دخله بحثا عن كوب ما.. وسأل صاحب الكوخ أن يمنحه ماء.. فعرض عليه صاحب الكوخ اليهودي شراء رابطة عنق! فسبه وقومه.. فقال له اليهودي رغم سبك لي ولقومي سأرشدك إلي كوخ به ماء, فذهب الطالباني إليه. وسأل صاحبه كوب ماء.. فأجابه صاحب الكوخ اليهودي أيضا, عليك أن تذهب وتشتري رابطة عنق أولا! وبرغم أن جونز اعتذر لليهود عن هذه النكتة إلا أن ذلك لم يمنع طرح التساؤلات حول مغزاها فمستشار الأمن القومي لم يعرف عنه أنه نكتي ولا المكان.. ولا الموضوع يسمحان بذلك, كما لم يبرر اعتذاره اقحام هذه النكتة في المكان والموضوع. هناك مؤشر آخر يتعلق بقرار نتانياهو عدم المشاركة في القمة الدولية التي دعا أوباما إلي عقدها الشهر الماضي بعد48 ساعة من إعلان المشاركة ردا علي قرار مصر وتركيا طرح البرنامج النووي الإسرائيلي للمناقشة, وعدم ممانعة أوباما في ذلك بل وابلاغه نتانياهو بعزم مصر وتركيا طرح الموضوع وأنه لن يذهب إلي ثني البلدين عن طرحه. هذه الموشرات تدعم طروحات زياد الحافظ حول بلورة أوباما استراتيجية شاملة للتعامل مع قضية الانتشار النووي في الشرق الأوسط.. وأن الأزمة بين واشنطن وتل أبيب حقيقية وليست عابرة, وأن تناقض المصالح يتنامي.. فلننتظر ونري ضمن أفواج المراقبين العرب!!