لا توجد قصيدة واحدة في هذا الديوان تحمل اسم ممر الافيال ولكنك تشعر بها حاضرة باجسامها الضخمة واقدامها الثقيلة الغليظة وخطواتها الوئيدة المدمرة, وكلما توغلت في قراءة النصوص احسست ان قدما ثقيلة تهدد رأسك, او لعلها ستقف فوق صدرك لتكتم انفاسك. بهذه الكلمات قدم الشاعر اسامة عفيفي رئيس تحرير سلسلة ذاكرة الوطن الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة لديوان ممر الافيال للشاعر والمسرحي والمترجم د. يسري خميس. وهي مقدمة تلخص للقاريء ما هو مقبل عليه في هذا الديوان المختلف حتي في ملابسات اصداره التي يشرحها د. يسري خميس بقوله: عندما طلب مني الشاعر اسامة عفيفي بعد ان قرأ نصوص الديوان ان يصدره عبر سلسلة ذاكرة الوطن ابديت دهشتي فكل ما قدمته السلسلة منذ نشأتها لم يخرج عن كتب مهمة صدرت منذ عشرات السنوات ورأي القائمون علي السلسلة اهميتها لذاكرة الوطن فأعادوا اصدارها. لا كتب تصدر للمرة الاولي كما في حالة ديواني... الا انه فسر لي اختياره بكون الديوان يعد تسجيلا لواقع العالم العربي في مرحلتنا الحالية من خلال رؤية شعرية وهو ما جعله يري جدارته بالنشر في هذه السلسلة . يأتي نشر الديوان في ظل حالة من التدهور في جميع الملفات السياسية العربية الكبري, فملف فلسطين يبدو افقه مغلقا بعد قرارات تنشيط عمليات الاستيطان في القدسالمحتلة ومبادرة من طرف واحد باستئناف المفاوضات لا يبدو ان لدي اسرائيل استعدادا للاستجابة اليها. وملف العراق لم يعد الحديث فيه عن التخلص من الاحتلال بل صار الامل معقودا في مجرد الاستقرار القبلي والعشائري بينما تخوض مصر صراعها الخاص في ملفات التغيير السياسي وازمات النيل. ورغم هذا ينفي د. يسري خميس ان يكون توقيت نشر الديوان مقصودا ومعتمدا ويقول: انا اكتب قصائد هذا الديوان منذ ما يزيد علي عشرين عاما فقد بدأت في كتابة بعض قصائده المتضمنة في القسم الاول تساؤلات اولية عام1987 وتوقفت وعدت لاستكمال الكتابة منذ بضعة اعوام. وطوال هذه السنوات لم تكن توجد فرصة جيدة لنشره ففرص نشر الشعر تحديدا في مصر محدودة وعمليات نشر الدواوين تحكمها المصادفة وحدها ولا يوجد معني سياسي وراء توقيت نشر ممر الافيال. يصعب استبعاد التفكير في القصدية السياسية في كل عمل يقدمه د. يسري خميس فمسرحياته المترجمة والمكتوبة والتي تحمل في غالبها صفة المسرح التسجيلي الذي كان هو اول من ترجمه وقدمه للقاريء العربي عبر اعمال الالماني بيتر فايس واشهرها مارا صاد/ واغنية الغول تنطلق من رصد وتسجيل الواقع السياسي العربي الذي يشغله بصفة خاصة نظرا لانتمائه السياسي القومي, يقول يسري خميس: بداية كتابة الشعر عندي ارتبطت بحدث مهم في تاريخ مصر والعالم العربي وهو العدوان الثلاثي عام1956 لم اتمكن وانا طالب في الثانوية العامة وقتها من استيعاب ان تأتي هذه القوي الدولية الضخمة ممثلة في فرنسا وانجلترا واسرائيل لاقتحام مصر. لم تكن ثقافتي السياسية كافية لكني اتخذت ما يشبه القرار غير الواعي وقتها بان تنطلق جميع اعمالي من الواقع الوطني وعيا مني بالتاريخ ليست السياسة هي ما يشغلني وان بدا ذلك علي السطح ما يشغلني هو اللحظة التاريخية وتجلياتها الانسانية علي مستوي الفرد والمجتمع ككاتب لي موقف من الاشياء والاحداث وانا اكتب انطلاقا من هذا الموقف سواء كان ما اكتبه شعرا ام مسرحا او حتي ترجمة لاعمال مسرحية عالمية اتخير منها ما يناسب مصر باعتبارها هي شاغلي الاساسي والاول. تنتقل قصائد ديوان ممر الافيال الموزعة علي خمسة اقسام بين رصد القهر باشكاله المتنوعة والمختلفة مرورا بالتسجيل الصريح لوقائع فارقة في تاريخ العالم العربي توزعت بخاصة بين قسمي اغنيات الفضح والمقاومة واغنيات الرصد والمتابعة تبدأ بقصيدة فجر الاثنين22 مارس2004 التي تسجل واقعة اغتيال الشيخ احمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس الفلسطينية تحوي هذه القصيدة ومثيلاتها وصفا تفصيليا واقعيا للمشاهد التي انتقاها خميس ليسجلها مما قد يجعل القاريء يتساءل عن المساحة الحقيقية للشعر في هذا الديوان هذا التساؤل يجيب عنه خميس فيقول: الفيلسوف الالماني جادامر لا يمكن للفرد ان يفلت من شروطه التاريخية ككاتب تحكمني المرحلة متمثلة في المكان مصر والعالم العربي والزمن الذي احياه لا يمكن ان اكون محايدا تجاهه وألا سأكون خارج التاريخ والانفعال الاول نحو الاحداث هو محركي لكتابة الشعر ولقد استفدت في هذا الديوان من الشاعر النمساوي اريش فريدEricheried الذي نشر ديوانا بعنوان000 وفيتنام و0000 تنبأ فيه بان القوي الدولية لن تكتفي بفيتنام وانما ستخوض حروب هيمنة اخري مقبلة تناول في الديوان هذا. الانحطاط الانساني الحادث في فيتنام من خلال رصد لتفاصيل الاحداث كما فعلت في ديواني هذا الشعر هنا يكمن في المونتاج لو امكنني استخدام هذه التسمية بالربط الذي قمت به بين الاحداث واختياراتي بينها ويظهر هذا في الجزء الاخير من الديوان اغنيات الرصد والمتابعة وفيها يتدخل الخيال الي جانب رصد الحدث لتسجيل المعني كما في قصيدة عندما قرر ثور جواد سليم الخروج من البرونز. في هذه القصيدة يستدعي د. يسري خميس نصب الحرية ببغداد احد اهم اعمال النحات العراقي الاشهر جواد سليم ليتخيل الثور البرونزي المتضمن في الجدارية وقد انتفض فاردا جناحيه ليحلق فوق العراق ويرصد حالها عقب الاحتلال فيقول واصفا رحلة الثور: في الطريق الي المتحف الوطني قرب الجسر القديم استوقفه الكولونيل توماس هامز خبير التمرد بجامعة الدفاع الوطني بواشنطن وطمأنه بانه يمكنه التجول في سلام فعمليا التمرد تناقصت حدته هذه الايام الي40 عملية يوميا فقط يقول الثور: مررت بالجنائن المعلقة فلم اجدها فقد سحقت تماما مدرجاتها الخضراء. يضيف يسري خميس: اتعمد دمج الاسماء الحقيقية بالخيال والوثائق والارقام حتي لا ننسي.. لا ننسي غلظة الواقع الذي نحياه هذه الفجاجة التي تميزه يجب ان ترصد فتسجيلها دور مهم من ادوار الفنان الذي يشغله مجتمعه وقضاياه. ورغم انه صنف منذ صدوره كديوان لقصيدة النثر الا ان د. يسري خميس ينفي ان يكون ممر الافيال خاضعا للشكل والاسلوب والمحتوي الذي تهتم به قصيدة النثر في ذاتيتها الشديدة وفرديتها المطلقة يقول يسري خميس: انا لست متابعا لكل ما يصدر تحت مسمي قصيدة النثر. والاهم من هذا اني اري تقسيم الشعر امرا مصطنعا وبلا اهمية فالشعر هو الشعر وهو قادر علي استيعاب كل ما لم ندركه وما يجعل من الشعر شعرا هو الرؤية في فهم الواقع واكتشاف العلاقات بين الاشياء وربط هذا بالتاريخ حتي يكتسب الشعر بعدا إنسانيا. اما الذاتية المفرطة فتنزع عن الابداع انسانيته.