ينبغي أن ننبه الأذهان إلي أن عرض الحكايات التي سوف نتناولها لا تعبر إلا عن طرح بعض الأفكار أو( النظريات) التي أسهم بها زملاء أجانب وعلماء يمثلون مجتمعاتهم ويعبرون من خلالها عن مشاكلهم ويشخصون مجتمعاتهم وليس من الضروري أن تكون مشكلاتهم هي مشكلاتنا وذلك لاختلاف المفاهيم الحضارية والثقافية والاجتماعية والخلقية والدينية... ومن هنا وجب التنبيه حتي لا نصاب بوهم الانصياع للنظريات الأجنبية!! * نظرية الاغتراب وبداية الأونطة: ظهرت نظرية عن الاغتراب قدمها كينستون1965 وكانت محاورها تنبثق من خلال دراسته الشهيرة التي ظهرت تحت عنوان اللاملتزمTheuncommitted وكان يحاول أن يشخص علي حد تصوراته ملامح الاغتراب للشباب في المجتمع الأمريكي. وقد حاول الباحث أن يضع مقولة أساسية حول المشكلة موضع دراسته وأعني بها الاغتراب عند الشباب الأمريكي وقد حاول كينستون أن يحدد الخصائص التي تشكل ملامح المغترب والتي تدفعه إلي فقدان الثقة بمن حوله, وتحرمه من توظيف إرادته والانصياع المستكين لمشاعر التشاؤم والغضب وكانت الخصائص التي حددها كينستون هي: * فقدان الثقة في التعامل مع الآخرين. * الاحساس بالقلق والتوتر النفسي. * الغضب واحتقار التفاعل مع المواقف. * ضياع الثقة الجمالية في مقابل المسايرة لحركة الآلية وما يتبعها من عوامل مادية وتكنولوجية. * رفض القيم الاجتماعية التي تضغط علي إرادة الانسان. * الانسحاب وعدم تحمل المسئولية. تلك هي ملامح الشخصية التي تعاني( الاغتراب) من وجهة الإطار النظري الذي قدمه كينستون وواضح مدي تشويه صورة الانسان الذي لا يمكن أن يوصف بهذه الأوصاف إلا إذا كان يفتقر إلي الإرادة الواعية الفعالة النابعة من القيم الدينية التي تغرس في نفسه اعتمادا علي فطرته الطيبة كل معاني الخير والوفاء والتعاون, والعطاء والانتماء والالتزام وتحمل المسئولية. * وتزداد الأونطة عند فرانكل في غياب المعني: ويري( فيكتور فرانكل) أن الانسان إذا وجد في حياته معني أو هدفا فإن معني ذلك أن وجوده له أهمية وله مغزي وأن حياته تستحق أن تعاش. فالانسان يبحث عن معني حياته بإرادة المعني التي يراها( فرانكل) بمثابة القوة الدافعة التي تدفع الانسان لتحقيق أهدافه وتعبر عن قيمه وتحدد قيمته والمعني الذي يريده( فرانكل) هو بمثابة الوعي الذي يعمل علي تبصير الانسان بمقدراته فيتحكم في رغباته ويمنع العوامل الخارجية بكل ما تعنيه من محسوسات من السيطرة علي إرادة المعني عنده. ويري فرانكل أن الاغتراب من وجهة نظره يعتمد علي بعض الأمور الآتية: * عندما تفشل إرادة المعني فيحدث ما يسميه( فرانكل) بالإحباط الوجودي الذي يجعل الانسان تخبو عزيمته في الوصول إلي المعني الذي يريده. * عندما يقع الانسان فريسة للمسايرة والامتثال فيعاني علي حد تعبير( فرانكل) من الفراغ الوجودي الذي تظهر ملامحه من خلال الشعور بالملل, وفقدان الثقة في الذات والإحساس بالضياع!! * عندما يتهرب الانسان من تحمل المسئولية نتيجة لعدم قدرته علي مواجهة المواقف والصمود أمام المشكلات فيخسر وعيه بالالتزام بالمسئولية وما يتعلق بها من إرادة تمكنه من التصرف الصحيح واختيار أهدافه بدقة ووعي وفهم. * عندما يضع الانسان الفرد بدائل مادية لإرادته المعنوية فيجعل المال أو اللذة محورا رئيسيا وتعويضا جوهريا عن تحقيق الأهداف التي تريدها إرادة الفعل التي تتطلع إلي الانجاز الأفضل والتصرف الراقي. ويلاحظ أن فرانكل يريد أن يجعل المعني محصلة الديناميات المعنوية للانسان الفرد وأن كل فرد إذا أراد لنفسه أن يتخلص من الشعور بالاغتراب فإن عليه بقدر المستطاع أن يبحث في نفسه عن إرادة المعني حتي لا يشعر بالفراغ الوجودي علي حد تعبيره. وإذا كان فرانكل قد تصور الاغتراب في غياب إرادة المعني فإن هذا التصور كان عليه أن يوضح أهمية القيم الدينية التي من شأنها أن تبلور وتكون وتنسق هذا المعني. * وظهرت حكاية أزمة البحث عن الهوية: وقد ظهرت الأونطة في نظرية قدمها( أريكسون) في دراسته عن الشباب وأزمة الهوية علي محور أساسي هو اهتمامها بتطوير( هوية الأناself-identity) ويعني بهذا الأمر أن الانسان الفرد يكون لنفسه مجموعة من الأهداف يعبر من خلالها عن درجة وعيه بقدراته ومفهومه عن نفسه ووضعه للحسابات التي يتوقعها من الآخرين ويلاحظ أن( أريكسون) قد أكد أن فقدان الهوية يؤدي إلي الشعور بالاغتراب ذلك الشعور الذي حدد ملامحه علي الوجه الآتي: * الاحساس بالعجز والعزلة وعدم الانتماء. * يؤدي هذا الشعور الضاغط بالفرد إلي كراهية ذاته. * ينعكس هذا الأمر بطبيعة الحال علي مستوي الأداء المهني والتكيف النفسي داخل مجالات الحياة وما تتضمنها من مواقف متعددة. والغريب في الأمر أن( أريكسون) قد اعتبر هذه المشاعر من الأمور الطبيعية التي لابد وأن يمر بها الانسان الفرد حتي يستعيد نفسه ويلتقط هويته المفقودة, وهذه الفكرة تحتاج إلي إعادة النظر, لأن الانسان هو عين أفعاله, وعين إرادته وتصرفه, فكيف يمكن أن نتصور الانسان الفرد فاقدا( لهويته) اللهم إلا إذا تصورنا الانسان في لحظة غير معقولة بمثابة فقاعة في هواء تعاني من فراغها وتخشي أن تحطمها نسمة عابرة!! والواقع: أن هذا الشعور الغريب( شعور الاغتراب) الذي دارت حوله حكايات تتسم بالأونطة الفكرية لا يعود أن يكون نسيجا من وهم تصورات بعض الأفراد الذين يريدون أن يحكموا علي أنفسهم بهذا الشعور فيجلبون لأنفسهم من خلاله التوتر والقلق والغربة... وعلي الانسان أن يحاول تجنب هذا الشعور من خلال إعادة النظر في تصرفاته وتنقية أعماله بصفاء نفسي من شأنه أن يجنبه هذا الشعور غير المواتي لقيمة الانسان. وحتي نتجنب هذه الأفكار من الممكن أن نقدم بعض الاجتهادات الفكرية للتخلص من هذه الأونطة التي ذاع صيتها ودعمت فكرتها اعتمادا علي العتمة الفكرية وعدم التأمل الصحيح وهذه الاجتهادات الفكرية نقدمها ليزداد وعينا بالفكر ولا نتقبل التيارات الأجنبية بسهولة وننصاع لها.. واجتهادنا الفكري لمواجهة هذه الأونطة الفكرية من الممكن أن يكون علي الوجه التالي: * لابد وأن يحرص الانسان علي أن يكون احترامه لذاته نابعا من محبة الآخرين ومعتمدا علي العطاء. * من الخطأ أن نتصور أن تصرفات الآخرين دائما خاطئة وأن تفكيرنا فقط هو التفكير السليم. * عدم اعتبار المواقف السيئة ممثلة لكارثة لأنها لا تحقق ما نتطلع إليه ولكن علينا أن نبحث عن الحلول البديلة الملائمة ونواجه المشكلة بأمانة ووعي. * ينبغي أن نواجه مصادر الخوف حتي نتخلص من الشعور بالقلق والتوتر وعلينا أن نعود أنفسنا علي التعرف علي مصادر الخوف حتي نتجنبها بوعي بعيدا عن التهويل. * لابد من مواجهة مصاعب الحياة ومسئولياتها بدلا من الانسحاب والتقاعس والاستسلام لضغطها وضراوتها والانسحاب من مواجهتها. * القدرة علي التنافس الشريف والتفاعل المثمر والعمل الجاد الفعال. * لابد من التأكد من قيمة الكفاح والعمل والجهد حتي يستطيع أن يستشعر قيمة النجاح. * لا يجوز أن يعتبر الانسان الفرد أن هناك مصدرا واحدا للسعادة بل لابد وأن يحقق سعادته من مصادر متعددة حتي لا يشعر بحسرة إذا اعتمد علي مصدر واحد وفشل. * لابد وأن يشعر الانسان بقيمة المسئولية وضرورة تحملها مهما كانت تبعاتها. تلك بعض الاجتهادات التي تعيد إلي أذهان أصحاب الشعور بالاغتراب فكرتهم الواعية بعيدا عن التصورات والحكايات الأجنبية التي أفرزتها مشكلات ظهرت في مجتمعاتهم وليس من الضروري أن ننساق وراء النظريات الأجنبية خاصة فيما يتعلق بالسلوك الانساني, فهي لا تنطبق علينا بالضرورة ولا يمكن أن تجرح بحوافرها الجامحة ملامح شخصيتنا العربية الأصيلة.