أصبحت الجامعات في بؤرة الاهتمام الحكومي مع تنامي الشعور القومي بأهمية التعليم الجامعي بعد ثورة عام1919, وما تلاها من الاستقلال الذاتي عام1922, وبعد صدور دستور عام1923 تحولت الجامعات إلي جامعة رسمية في عام1925, ومنذ هذه الفترة التاريخية أصبحت الجامعة هي المسئولة عن التخطيط الاستراتيجي لرسالتها, وأصبح التعليم الجامعي مجانا منذ عام1961, وأنشيء المجلس الأعلي للجامعات الذي ينفذ السياسة العامة لوزارة التعليم العالي, ويقترح الآليات لتنفيذ استراتيجية الوزارة, والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الجامعات مستقلة؟ والاجابة تتطلب رصد الواقع التالي: أولا أن المادة59 من الدستور الجديد تنص علي أن حرية البحث العلمي مكفولة, والجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكز البحوث مستقلة, وتخصص لها الدولة نسبة كافية من الناتج القومي وبالتحليل تبين أن استقلال الجامعات نصت عليه المادة18 من دستور71 ومع ذلك لم يتم تفعيل الدستور, والدليل أن الجامعات كمؤسسات تم خضوع رسالتها منذ عهود سابقة لرسالة الحكم, واليوم تصاغ بعض القوانين والتشريعات وتصدر بعض القرارات ضد استقلال الجامعات, مثال ذلك قرار بدل الجامعة, وربطه بتقارير الأداء, وقانون المجلس الوطني للتعليم, وقرار آليات اختيار القيادات الجامعية. ثانيا الوزير المختص بالتعليم العالي هو رئيس المجلس الأعلي للجامعات, ويشرف عليها بحكم منصبه وفقا للمادة13 من القانون وبذلك أخذت المؤسسة الجامعية تسير وفق التوجهات التي تبدأ من السلطة السياسية ثم الأجهزة التنفيذية, ثم المجلس الأعلي للجامعات, دون عرض القرارات علي المجتمع الجامعي من أساتذة الجامعات. ثالثا أن بعض الجامعات الحكومية مازالت تعاني من الخارجين علي القانون ممن يدخلون الكلية بالأسلحة, لعدم وجود بوابات وأجهزة كشف الكترونية, والتي تتطلب ميزانية قد لا تتكفل بها الدولة, بالاضافة إلي استقطاع نسبة من الوحدات الخاصة التي تدر ربحا للجامعة من قبل وزارة المالية تقدر بحوالي20%. رابعا أن هناك بعض القصور في بعض مواد قانون تنظيم الجامعات المعدل لعام2009, والذي مازال ساريا خاصة المادة المتعلقة بمرتبات أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بدءا من الأساتذة وحتي المعيدين, وأن ما تم تعديله في2012/7/1 هو زيادة بدل الجامعة وليس المرتب الأساسي مما يجعل أساتذة الجامعات تحت رحمة المالية والتعليم العالي. خامسا أن مجلس الشعب السابق قام بتعديل المواد56,43,25, والمتعلقة بتعيين رئيس الجامعة وعميد الكلية ورئيس القسم ليصبح اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب, وترك القانون المعدل الحرية للمجلس الأعلي للجامعات لوضع آليات ومعايير من يترشح لهذه الانتخابات, وكذلك من يصوت في هذه الانتخابات مما أدي لغياب العدالة. سادسا أن المادة(20) من قانون تنظيم الجامعات أعطت الحق لرئيس الوزراء بناء علي ترشيح الوزير بتعيين أمين المجلس الأعلي للجامعات ممن شغل خمس سنوات علي الأقل في وظيفة أستاذ من إحدي الجامعات بدرجة نائب رئيس جامعة وأتصور أنها بحاجة إلي تعديل يواكب التغيرات الجديدة. سابعا أن المجلس الوطني للتعليم الذي ورد في المادة214 من الدستور تمت صياغة قانون له من15 مادة, ورغم أنه موجود في بعض دول العالم إلا أن بعض اختصاصاته تتناقض مع استقلال الجامعات, إضافة إلي أن بعض المواد بها ازدواجية مع الهيئة القومية للجودة والاعتماد خاصة أنه وفق الدستور يتناول جميع مراحل التعليم وطبقا للقانون الذي لم يوافق عليه الشوري بعد فإن قراراته إلزامية لجميع المؤسسات التعليمية. المطلوب: 1 أن يزداد الراتب ثلاثة أمثال الأول علي الأقل( قبل إضافة بدل الجامعة), وهذا يتطلب تعديل جدول المرتبات الوارد في قانون تنظيم الجامعات, وأن تعدل قواعد البدلات والمعاشات وفق الميزانية الجديدة, ونحن علي مشارف موازنة التعليم العالي, وهنا يقع الدور علي نوادي أعضاء هيئة التدريس والنقابات الرسمية ليتابعوا ويخاطبوا الوزير بضرورة توافر الميزانية, أسوة بكادر القضاء, والخارجية المصرية, والفرق الرياضية, والمهرجانات الفنية, والرحلات الدبلوماسية وغيرها. 2 أن تدير الجامعة مواردها الذاتية بعيدة عن النفوذ السياسي أو تدخل الجهاز الحكومي أو الحزبي, مع مراعاة ترشيد الإنفاق وتوحيد المكافآت في جميع الجامعات من خلال وضع حد أقصي لمكافآت القيادات الجامعية وغيرهم من كبار العاملين أيا كان الدخل للجامعة أو الكلية. 3 تقنين إنشاء جامعات غير حكومية لأن حديثنا عن الجامعات الخاصة يحتاج إلي مقال آخر حيث السعي نحو التوسع وانتشار الجامعات والمعاهد الخاصة وكذلك الأجنبية يؤدي إلي بناء مزيد من التبعية للدول الصناعية أو دول المنشأ وعدم الاستقلالية, لأن من سيتخرجون في هذه الجامعات سوف تستفيد بهم الدول الأخري وليست مصر. 4 إرجاء قانون المجلس الوطني للتعليم لحين انتخابات البرلمان لأن المجلس سيضع السياسات, ويتخذ, وينفذ, ويتابع القرارات وهي قرارات إلزامية لجميع المؤسسات التعليمية. 5 أن تكون وظيفة أمين المجلس الأعلي للجامعات بالاعلان وليس بالتعيين أسوة بالاعلان عن جوائز الدولة والجامعة التقديرية التي يترشح كل من تنطبق عليه معايير موضوعية ويتقدم كل من يري في نفسه أنه مؤهل للوظيفة ويتم الفرز وفق لجنة خماسية من جامعات متعددة وبالتالي يصبح أمين المجلس الأعلي للجامعات مستقلا في أفكاره وقراراته. 6 استقلالية الجامعات من الناحية المالية, بأن تمول نفسها كما هو متبع, وتنفق مواردها الخاصة لشراء البوابات الالكترونية, وهذا يتطلب عدم استقطاع نسبة من هذه الموارد الناتجة من موازنة الوحدات ذات الطابع الخاص من قبل الدولة أو وزارة المالية, مع حق الجامعات ومراكز البحوث في النسبة المخصصة من الناتج القومي كما ورد في الدستور والتي أشرنا إليها في بداية المقال. 7 استقلالية الفكر الطلابي عن التيارات والقوي الحزبية والسياسية والدينية داخل الحرم الجامعي, وإطلاق الحرية لهم في ممارسة التربية السياسية لا ممارسة العمل الحزبي. يبقي بعد ذلك حرية أساتذة الجامعات في كتابة تقارير دون أن تفرض عليهم من السلطة الفوقية, وحريتهم فيما يدرسون من مقررات لها توصيفات بموافقة مجلس القسم المختص, مع التأكيد علي دورهم الاجتماعي والتوعوي لبث الأخلاقيات الحميدة لطلابنا وتنمية القيم المرتبطة بالعلم بدون مادة في الدستور تلزم الجامعات بتدريس القيم والأخلاق, و القيام بواجباتهم والالتزام بمحاضراتهم داخل أقسامهم وكلياتهم, ليكونوا قدوة لطلابهم وأخيرا: التمكين المالي للجامعات, شريطة دقة المحاسبة من الجهات الرقابية والمحاسبية فيما يتعلق بالمباني الجامعية والأمور والشئون المالية, وبذلك تتحول جامعاتنا من العجز إلي القدرة, ومن الجمود إلي الحيوية, ومن ثقافة الإيداع والاتباع إلي آفاق التجديد وثقافة الإبداع. رابط دائم :