يكشف التقرير الذي نشرته مجلة فورين أفيرز في عدد مايو2012, بعنوان سد نهضة الأثيوبيعن حقائق كثيرة بشأن هذا الموضوع الذي يدور حوله جدل كبير في الرأي العام المصري, ويبدو أننا بالفعل كنا غائبين عن الواقع إبان النظام السابق أو بسبب انشغالنا بأوضاعنا الداخلية منذ انطلاق ثورة25 يناير التي استغلتها أثيوبيا فأعلنت رسميا عن البدء في بناء سد النهضة في أبريل من نفس العام وأمس جري الإعلان عن البداية الفعلية بتحويل المجري المائي للنيل الأزرق, وبعيدا أيضا عن التهويل وتوجيه الاتهامات للغرب تارة وإسرائيل تارة أخري علي أساس أنهم المحرك الأساسي لضرب أمن مصر المائي, فإن هذا التقرير يؤكد أن القضية غير ذلك, فهناك تنمية حقيقية في إثيوبيا يمثل فيها سد النهضة رمزا جليا, وهذا معناه أن إثيوبيا جادة فعليا في استكمال هذا المشروع العملاق فماذا نحن فاعلون؟ فما هي هذه الحقائق؟ رصد هذه التقرير مجموعة منها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا كنا بالفعل غائبين عما يجري في إثيوبيا لأكثر من عشرين عاما, منذ أن تولي مليس زيناوي مقاليد الحكم فيها وشرع في بناء هذه النهضة واستعادة مجد إثيوبيا القديم حيث وضع الرجل خططا طويلة الأمد تهدف إلي إقامة آلاف المزارع الصغيرة والصناعات المتوسطة القائمة علي الزراعة, ثم تحويلها إلي اقتصاد صناعي زراعي بربطها مع الموارد الطبيعية ومع القطاعات النامية الأخري مثل البناء والتشييد والأسمنت والتعدين والمنسوجات إلخ, التي وضعت أساساتها منذ وقت طويل, بما سمح لإثيوبيا بتحقيق نمو أكثر من11% في2012, وعلي مدار10 سنوات متتالية, وحسب الخطة, فإن القطاع الزراعي سيكون هو الرائد بحلول2015, انتهاء بأن أصبحت إثيوبيا تصدر بما قيمته4 مليار دولار تقريبا في2011-2012, اعتمدت فيها علي صادرات الذهب والبترول والبن حيث إنها أكبر مصدر للبن بقيمة841.7 مليون دولار. وفي التعليم, كانت نسبة الأطفال الذين يلتحقون بالتعليم في20,1991% من إجمالي عدد الأطفال وصلت اليوم إلي95% بإجمالي عدد20 مليون طفل في21000 مدرسة إعدادية وثانوية, و31 جامعة وأكثر من60 كلية خاصة, وفي الصحة وبعد أن كان نسبة الوفيات في الأطفال عالية جدا وصلت إلي52% في العقد الماضي,بدأت هذه النسبة في الانخفاض بشكل كبير ومتسارع, وزادت شبكة السكك الحديدة بمقدار1200 ميل, بما سمح لإثيوبيا بمدها إلي ميناء لامو الذي اكتشف فيها البترول والقريب الحدود مع كينيا, والتي قال عنه زيناوي عندما بدأ العمل فيه أنه ميناء يجمع بين السكك الحديدية والطرق وخط أنابيب للبترول بإجمالي تكلفة تصل إلي23 مليار دولار, وزادت الطرق الممهدة الترابية بمقدار43 ألف ميل, كل ذلك سيؤدي حسب الخطط الموضوعة الثلاثة التي وضعها مليس زيناوي, إلي تحويل إثيوبيا بحلول2025 إلي دولة ذات اقتصاد متوسط الدخل بالمعايير العالمية, وقد استضافت إثيوبيا في28 يناير2012 الاتحاد الأفريقي بمبناه الجديد, منحت فيه الصين إثيوبيا بهذه المناسبة200 مليون دولار لبناء برج يبلغ ارتفاعه328 قدم في أديس بابا اعترافا من الصين بنمو اقتصادها واستقرار الأوضاع الداخلية بها, جاء بعده استضافتها لمؤتمر منتدي الاقتصاد العالمي في مايو2012, بما يعد شهادة عالمية علي بداية تنمية حقيقية إذ أن أفريقيا التي يجري عليها التركيز عالميا في الوقت الحالية في التنمية الاقتصادية ويتسابق عليها الغرب والشرق بها6 دول من10 علي مستوي العالم تعد من أسرع الدول نموا ومنها إثيوبيا. وحسب التقرير فإن إثيوبيا لديها2 مليون مهاجر يعيشون في الخارج أرسلت لهم سندات للمشاركة في بناء سد النهضة, أقل قيمة للمشاركة فيها بمبلغ50 دولار, وكان ميليس زيناوي يحرص علي مقابلة كل من يأتي منهم إلي إثيوبيا وعلي مدار السنوات الست الماضية, كان معدل النمو السنوي10% وذلك بسبب تشجيع القطاع الخاص من خلال ففي الخطة الخمسية التي أطلق عليها خطة النمو والتحول, الذي قال عنها وزير المالية والتنمية الإيثيوبي د إبراهم تيكيست, إنها كلها قطاع خاص سواء في الزراعة عن طريق المزارع الصغيرة أو في الصناعة عن طريق الاستثمارات الخارجية للقطاع الخاص. والواقع أن الهند من أكبر المستثمرين في القطاع الخاص فلها250 شركة بإجمالي استثمارات4.35 مليار دولار, في مجالات الزراعة وإقامة البساتين وتكنولوجيا المعلومات وفي النسيج هناك مجموعة أيكا التركية التي تستثمر في صناعة القطن داخل إثيوبيا, والملياردير السعودي الإثيوبي الشيخ العمودي اعتبر إثيوبيا قاعدته الإفريقية بتأسيس مجموعة ميدروك التي تستثمر74 مليون دولار بينما تستثمر مجموعة ديربا3.4 مليار دولار ويكفي أن تقرير البنك الدولي في2011 بعنوان دعوة إلي إقامة أنشطة تجارية, يعتبر إثيوبيا أفضل من بعض دول البريكس. وإثيوبيا التي بها80 مليون مواطن, لديها أكثر من12 حوضا مائيا نهريا, يمكنها أن تغير إثيوبيا لمجتمع متقدم من خلال تطوير منظومة الري وتوليد الطاقة الكهربائية ومياه الشرب تحت الأرض وفوقها, وهي المشكلات التي تريد إثيوبيا حلها من خلال سد النهضة والسدود الأخري بحلول2020, والأساس في هذه التنمية هو توليد الطاقة حيث تستهدف45 ألف ميجاوات لم تنفذ إثيوبيا منها إلا2.100 ميجاوات ستصل في نهاية الخطة الخمسية الحالية إلي10 آلاف ميجاوات, منها سد جلجل جيب3 الذي أنتج1.870 ميجا وات في سبتمبر2012, وسد النهضة الذي سيتم الانتهاء منه في2015 سينتج5.250 ميجاوات والذي تبنيه شركات المقاولات الإيطالية وتمويل صيني لمشروع الكابلات الخاصة بالكهرباء المتولدة من هذا السد؟؟, بما يكافئ6 محطات نووية حسب البي بي سي, ولا تكتفي به إثيوبيا بل تنتج الطاقة الحرارية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية, بمقدار7 ميجاوات و120 ميجاوات و70 ميجاوات علي الترتيب بخلاف أنواع الطاقة الأخري, ويبدو أن منظومة التنمية في إثيوبيا منظومة شاملة فإثيوبيا الدولة المغلقة تحاول أن تستفيد من موقعها الصعب بحيث تجعل نفسها مركزا للتكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال التكامل بين جيبوتي وكينيا حيث تم توقيع اتفاقيات مع الدولتين لإنشاء مشروعين للسكة الحديد و500 ميل من الطرق. هذا النمو الاقتصادي السريع ساعد إثيوبيا علي بناء قطاع مصرفي ديناميكي, بل ودخلت إثيوبيا مرحلة التحويلات المالية الإلكترونية بين مجموعة ال17 بنكا التي تملكها, وهذا قليل من كثير مما حفل به التقرير؟ وهل من المصادفة أن توقع إثيوبيا واليابان أمس اتفاقا يقضي بتعزيز التعاون في مجال خفض انبعاثات الكربون المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري, إلا لو لم تكن هذه الدولة بها تنمية حقيقية وجادة فيما تفعله ويبقي السؤال ماذا نحن فاعلون؟