فإن الله تعالي رغب في الصدقات المؤقتة منها والدائمة, رغبة في زيادة الحسنات, فقال سبحانه: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء, وعد ذلك بمثابة إقراضه ليحفز الناس علي التسابق إليه, فقال سبحانه: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة, ورغب رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصدقات المؤقتة منها والدائمة تحقيقا لذلك, فروي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم النار فأعرض وأشاح, ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة, فمن لم يجد فبكلمة طيبة, وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له, وللوقف أنماط ألفها الناس وعلقت بأذهانهم, بحيث إذا ذكر الوقف تبادرت إلي الذهن, إلا أن من سنة الحياة التطور والبحث عن جديد نافع لا يخالف الشرع ولا يصادم نصوصه, ووقف المنافع مؤبدا أو مؤقتا عرفه فقهاء السلف ونصوا عليه في كتبهم, إلا أن منهم المجيز ومنهم المانع, ولما كان الاجتهاد في الأحكام يتغير تبعا لتغير الزمان والمواضع والأحداث والأحوال, وكان المرجوح في زمان أو موضع أو حال راجحا في غيره, كان وقف المنافع صيغة من صيغ الوقف قديمه حديثه, للوقوف علي جدواها إن اتبعت في الوقف في زماننا, ويمكن القول بجواز وقف المنافع التي آلت ملكيتها إلي الإنسان بصورة مؤبدة أو مؤقتة, تخريجا علي مذهب من يري جواز وقف المنافع وهم جمهور المالكية وبعض الحنابلة, وأنه يجوز وقف هذه المنافع وقفا مؤقتا بمدة معينة وفقا لمذهب جمهور المالكية, إذا آلت ملكيتها إليه, كأن تملكها بالإجارة أو الوصية أو الإعارة أو الهبة, أو الوقف, كما يجوز له وقف هذه المنافع وقفا مؤبدا وفقا لمذهب جمهور المالكية وبعض الحنابلة, إذا آلت إليه ملكيتها بصفة مؤبدة بسبب من الأسباب السابقة, كما أن له وقف منفعة نفسه علي جهة من جهات البر وقفا مؤقتا أو مؤبدا, مدة حياته أو ما بقي الموقوف عليه, ويتصور وقف المنافع التي تم تملكها بسبب من الأسباب السابقة, وقفا مؤقتا أو مؤبدا علي جهة من جهات البر في وجوه عدة تفتقر حاجات أفراد المجتمع إليها, منها: وقف منفعة الأبنية والوحدات السكنية والأماكن والأراضي, ووسائل النقل والاتصال, ومنفعة الطاقة الكهربائية وغيرها, ومنفعة توريد المياه والغاز, وجمع القمامة والتخلص منها ووقف منفعة تنظيف أماكن العبادة والإيواء والشوارع والمتنزهات والمرافق ونحوها, ووقف منفعة القائمين بأعمال البناء والصيانة والأعمال الخدمية, ونحوهم, ووقف منفعة محو أمية من لا يجيدون القراءة والكتابة, ووقف منفعة إقامة الشعائر للناس وإرشادهم إليها, ومن شأن هذه الأوقاف أنها لا تقتضي تملك عقار لوقف منفعته, بل تملك منفعة شيء ملكا دائما أو مؤقتا, وهذا الوقف يستطيعه حتي الفقراء والمساكين, فلا يحرم أحد من أجر الوقف, ولو كان ما وقفه منفعة يؤديها لمدة ساعة أو يوم أو أكثر, وبهذا يزداد عدد الواقفين في المجتمع, بعد أن كاد ينعدم في زماننا من يوقف شيئا علي جهة بر, وبهذا تشبع حاجات قطاع كبير من المجتمع من عائد هذا الوقف, تلك خلاصة بحث قدمته لمؤتمر دولي, فلو وجدت آلية تفعيله, لسد حاجات كثير من أفراد المجتمع. رابط دائم :