يحلو للبعض الحديث عن حراك سياسي في مصر, و يصفه البعض بأنه خطر علي النظام و الحكومة, وهو توصيف يتكرر استخدامه كثيرا مؤخرا, ويذكرنا بتوصيف الاحتقان السياسي الذي شاع لفترة بين النخبة وسرعان ما تراجع و انزوي حتي اختفي والشاهد أن مشكلة الإصلاح في مصر ترتبط بضعف الحراك السياسي في البلاد, فما نعيش الآن ليس حراكا بالمفهوم الصحيح قدر ما هو اعتراضات من البعض هنا أو هناك. و مشكلة الإصلاح و التطوير الحقيقية ليست في أداء الحزب الوطني أو الحكومة كما يحلو للبعض من مروجي الاتهامات لتبرئة النفس, وإنما هي في ضعف المعارضة و تشتتها و عدم قدرتها علي تلمس طريقها الصحيح للنهوض. ما نراه في مصر النهاردة حركات إحتجاجية من قوي سياسية تنشط في ميدان التحرير و شارع قصر العيني, وتنتهي عند هذه الحدود بعد أن كان المثلث ممتدا حتي شارع عبد الخالق ثروت علي سلالم نقابة الصحفيين. حتي الآن لم تتمكن المعارضة من تحديد هدف استراتيجي تتحرك لبلوغه, وهي منشغلة للغاية في التعامل مع التفاصيل, وتمنح جل اهتمامها لاتهام أطراف أخري بدلا من بناء قواعدها الشعبية. قد تستطيع إقناعي بسهولة بخطأ الآخر لكن ذلك لا يعني إقناعي بصواب مواقفك و أفكارك, والتعامل معك باعتبارك البديل المنشود. في مصر النهاردة أداء إعلامي قوي من كل الأطراف ناجح في استقطاب اهتمامات الناس, وفرض أجندة الإصلاح السياسي عليهم, لكن الأداء الحزبي مازال متراجعا و أقل قدرة علي التأثير بل أقل قدرة علي الاستفادة من التأثير الإعلامي. و يبدا أننا مقبلون علي مرحلة يتولي فيها الإعلام لعب دور المعارضة بدلا من الأحزاب و الحركات السياسية, وهي حالة تمثل خطورة شديدة, كون الإعلام قادرا علي التأثير و ليس علي التغيير, الذي هو من صميم طبيعة النشاط الحزبي. مهمة الأحزاب إقناع الرأي العام بأفكارها من خلال أداء جماهيري متواصل و متراكم, وليس فقط من خلال أداء إعلامي نقدي للأوضاع, و إذا استمر الحال علي ما هو عليه فلا تغيير و لا حراك سياسي حقيقي. مشكلة الحزب الوطني أنه يتحرك استراتيجيا منفردا.. وعليه مسئولية إتاحة الفرصة للآخرين, وإلا فسنعاني جميعا من النتائج. [email protected]