الدماء التي سالت ليلة الجمعة الماضية في جبل المقطم, وتلك التي ينتظر لها أن تسيل اليوم, وربما غدا أو بعد غد, في العديد من محافظات مصر, تتحمل مسئوليتها كاملة جماعة الإخوان, لا فرق في ذلك إذا ما كانت هي المعتدي, أو المعتدي عليه. وخيبة الأمل التي أحس بها ملايين المصريين علي مدار الأسبوع الماضي, وهم يتابعون علي شاشات الفضائيات, أو علي مواقع التواصل الاجتماعي, تلك التصريحات غير المسئولة التي انطلقت علي لسان قيادات بارزة في الجماعة, والتي بلغت حد وصف أحدهم الضحايا الذين كان يتوقع سقوطهم أمام مكتب الارشاد, بقوله: شهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار, تكشف إلي حد كبير ما وصلت إليه الجماعة من صلف وغرور, في مواجهة مطالب المصريين المشروعة, بأن يكف مكتب الارشاد يده الغليظة, عن إدارة شئون البلاد من الباطن, وينقل إدارة شئون الدولة إلي مكانها الطبيعي في قصر الاتحادية. لا يريد الغالبية العظمي من المصريين أكثر من ذلك, حتي هؤلاء الشبان الغاضبون الذين زحفوا علي المقطم الجمعة الماضية, لا يريدون سوي أن يمارس أول رئيس منتخب للبلاد, حتي لو جاء بنسبة50%+1, دوره الطبيعي في قيادة الدولة بعيدا عن إملاءات جماعته, وهيمنة عشيرته المطلقة, علي صناعة القرار السياسي في مصر ما بعد الثورة. لقد كان بالإمكان أن تتحول مسيرات الغضب, التي انطلقت إلي مقر مكتب الارشاد في جبل المقطم, إلي واحدة من مئات, بل آلاف المسيرات والتظاهرات السلمية, التي شهدتها مصر علي مدار العامين الماضيين, ولم ترق فيها نقطة دم واحدة, قبل أن تظهر الجماعة كطرف رئيسي في لعبة الصراع علي السلطة ما بعد مبارك, مثلما كان من المنطقي أيضا أن تستمع قيادات الجماعة ولا تصم آذانها, لصرخات الغضب الذي يعتمل في صدور الملايين من المصريين, منذ حملتها الأقدار إلي مقاعد السلطة في بلد أنهكه التعب, وأن تمد يدها بالخير الذي قالت أنها تحمله إلي بسطاء المصريين, هؤلاء الذين هدهم الفقر واعتصرت أرواحهم الحاجة, بدلا من أن تزيد متاعبهم بطوابير الوقود, وانهيار العملة, والغلاء الفاحش, واللهاث خلف لقمة العيش. كان باستطاعة الجماعة ومن خلفها حلفاؤها من قوي الإسلام السياسي, تلك التي لم تتوقف في يوم, عن سكب مزيد من الزيت علي النيران المشتعلة, بالعديد من التصريحات غير المسئولة علي لسان قياداتها التاريخية, أن تكف يد شبابها عن الدم الحرام, وأن تقول صراحة للجماعة الأم, بأنها أخطأت المسير عندما أقصت كل القوي السياسية, في رحلة التكويش علي مقدرات الأمة, وأنها تسير نحو هاوية سحيقة. لقد كان باستطاعة الجماعة الإسلامية مثلا, تلك التي يحار المرء كثيرا, عندما يتابع تحولاتها المذهلة إلي النقيض علي مدار الشهور الثلاثة الماضية, أن تطفيء نيران الفتنة التي كانت أول من تعرض للحرق بها في ثمانينيات القرن الماضي, مثلما كان باستطاعة جمعية أهل السنة والجماعة, أن تلتزم الصمت الجميل, بدلا من بياناتها التي توالت فيما يشبه النفير العام للحرب الأهلية, وهي تدعو فصائل التيار الإسلامي إلي مساندة الإخوان في موقعة الجبل, مؤكدة أن المستهدف من الاعتداءات علي المركز العام للجماعة بالمقطم, هو الإسلام لا الإخوان, وأن الذين زحفوا إلي مكتب الارشاد ليطالبوه بأن يكف يده عن إدارة شئون مصر من الباطن, لا يستهدفون سوي الدمار والخراب. علي مدار الأسبوع الماضي, لم تغب عن مخيلتي للحظة, صورة ذلك الريفي البسيط الذي حشرته الجماعة, مثل مئات غيره من ساكني المحافظات القريبة من القاهرة, في الأتوبيسات التي توجهت إلي المقطم, فيما عشرات الشبان الغاضبين يحاصرونه في أحد الشوارع الجانبية, بينما الريفي البسيط يسعي بكل قوة للخلاص من أيديهم حتي كاد يفقد جزءا كبيرا من ملابسه ويتعري, في مشهد بدا قريبا جدا, لما تعرض له قبل شهور, عامل المحارة المسكين حمادة صابر, علي يد قوات الأمن العام أمام قصر الاتحادية. نعم كان باستطاعة الجماعة أن تحقن علي مصر كل هذه الدماء التي سالت, إذا ما أرهفت السمع لصيحات الغضب, وقرأت المشهد علي نحو صحيح, فأراحت واستراحت, لكنه الكبر عندما يبلغ مداه, والعناد عندما يورث الكفر والدم. رابط دائم :