ماحدث عند المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين من تجاذبات وخناقات خلال الأيام الماضية ليس سوي جزء صغير من مشهد أكبر وأعمق لصراعات إيديولوجية بعيدة كل البعد عما يفكر به عامة الناس المشغولون بقوت يومهم وتوفير أساسيات حياتهم. كرة النار التي تحركها أطراف معروفة يوما بعد يوم لتلتهم الأخضر واليابس وتهدم المعبد علي رؤوس ساكنيه لاتستهدف كيان الإخوان المسلمين وجماعتهم, قدر ماتستهدف مشروعهم الإسلامي, ولأن الإخوان هم الفصيل الأكبر من الإسلاميين وهم من أتي بهم صندوق الانتخاب إلي الحكم فعليهم أن يتحملوا هذه المناكفات ويديروا ملف السياسة بحكمة بالغة حتي تعبر البلاد إلي بر الأمان. المسألة برمتها تحتاج إلي بيان حتي يعرف الناس منطق هذا الصراع المحموم بين قوي سياسية يفترض أن تقود البلاد في مرحلة مابعد الثورة إلي تحولات جذرية حقيقية تنهض بها من عثرتها وتنتقل بها إلي تحقيق الأهداف التي التف حولها غالبية الشعب المصري أثناء الثورة. الإخوان والإسلاميون يريدون مصر دولة جديدة مستقرة متقدمة تقوم علي أسس الحرية والعدالة الاجتماعية في إطار أخلاقي مرجعيته مبادئ الإسلام, ولاشك أن غير الإسلاميين يريدون مصر دولة متقدمة تتحقق فيها العدالة والحرية أيضا, ولكن طبقا لنظريات مادية بحتة تنتمي إلي بيئة مختلفة, ومن ثم نجد تقاربا واضحا في الأهداف واختلافا بينا في الوسائل, لأن الإطار الإيديولجي لكل طرف من المتصارعين يحكم تصرفاته ويوجهها, ويترجم علي الأرض في صورة سلوكيات وأفعال وقرارات, ولك أن تلحظ أن تحركات معارضي الإخوان انتظمت مؤخرا في: استخدام قوي للإعلام يركز علي تشويه الإسلاميين وتسفيه أي مشروع لهم. توظيف قاموس ضخم من الشتائم والألفاظ الخارجة غير مسبوق في تاريخ المصريين لسب الإخوان والتحريض عليهم. التحالف مع الفلول واستخدام المال والحرام في افتعال مشاكل شبه يومية هنا وهناك, وصلت إلي حد الهجوم علي مقار الإخوان بالمولوتوف والأسلحة النارية وإشعال الحرائق بها. التستر علي جرائم القتل وتوفير الغطاء السياسي لها بعد توفير أجواء مناسبة للعنف. عدم إدانة أي جريمة ترتكب بحق الإسلاميين والمسارعة برفض وإدانة أي خطأ يقع من الإسلاميين. التحريض العلني علي اغتيال رموز سياسية منتمية للتيار الإسلامي. تحريض المؤسسات الدولية, ومنها الاتحاد الأوروبي مؤخرا, لعدم منح مصر أي مساعدات بهدف تعطيل النظام القائم وإسقاطه عمليا. التحالف مع البقايا الفلولية في القضاء والنيابة والداخلية لتعويق وتعطيل أي خطوات سياسية ومعيشية تعود علي البلاد بالنفع. التحالف مع جهات ودول خارجية لإسقاط المشروع الإسلامي بالكامل. رفع دعاوي قضائية, بمناسبة وبغير مناسبة, للطعن علي كل شيء للحد من نفوذ الإسلاميين وهدم مؤسساتهم. تسييس كل القضايا والتصيد الواضح للخصوم السياسيين سواء في الرئاسة أو الحكومة أو الإخوان واستخدام سلاح التعميم والكذب والشائعات في النيل منهم. تحويل أيام الجمعة من العام كله و كذلك مناسبات الاحتفال بالثورة وغيرها إلي مناسبات للمماحكات السياسية والتنكيد علي المصريين بإثارة أجواء من عدم الأمن وترويع الناس. تصدير الصورة للعالم كله وكأن مصر تحترق, ومن ثم تتعطل فرص الاستثمار ويمتنع السائحون عن المجيء إلي مصر ويتعرض النظام لحرج شديد ووضع اقتصادي ضاغط يؤدي إلي إفشاله. وفي المقابل سنجد أن مسارات التحرك للإسلاميين تقف عند حدود: رد التهم التي يكيلها الإعلام لهم ومواجهة الشائعات بالنفي المستمر وكذلك الكيد للخصوم من خلال شبكات التواصل والمواقع الالكترونية. محاولة الدفاع عن مقارهم وممتلكاتهم في ظل مايعتبرونه تواطؤا من الأجهزة الأمنية والقضائية التي لديها إمكانيات جمع المعلومات ومنع الجرائم قبل وقوعها, ولكنها لاتفعل. التلويح والتهديد بعمل لجان شعبية تحمي الممتلكات إذا لم تقم الداخلية بدورها في حفظ الأمن إقامة فعاليات خدمية وحملات تنموية علي الأرض في إطار مايؤمنون بأنه توجه نحو البناء والإصلاح, مقابل الخراب والهدم الذي يتغياه الآخرون. محاولة الترضية المستمرة للأطراف المناوئة من خلال الدعوة للحوار تارة والمحاصصة السياسية تارة أخري كل ذلك لايجدي نفعا في ظل إصرار الآخرين علي مواصلة نهجهم الإقصائي الرافض لوجود الإسلاميين في المشهد أصلا. استخدام أدوات قانونية وتشريعية بحكم المسئولية التنفيذية للتغلب علي المعوقات السياسية. الوقوع في أخطاء عدم الشفافية وغياب المصارحة الكاملة للشعب بكل مايحدث. ردود الفعل غير المسئولة أحيانا والمشوبة بشيء من العنف نتيجة استفزازات الأطراف الأخري كما حدث عند مكتب الإرشاد السبت قبل الماضي. إذا مااعتبرنا, بعد هذا العرض, أن للإسلاميين أخطاء, فإن لمخالفيهم في الرأي والنهج خطايا لاتغتفر, وإذا ماسلمنا بأن كل طرف يتهم الآخر بأنه إقصائي, فإن المعارضة تبدو في سلوكها استئصالية, وإذا ماأخذنا في الاعتبار أن الفلول يحاولون بكل السبل أن يعودوا بالبلاد إلي الوراء, فلا بد للاعبي السياسة الرئيسيين أن يستيقظوا قبل فوات الأوان. [email protected] رابط دائم :