نظرت.. حولي سحابة سوداء كثيفة تسابق الريح الينا, وتغطي الأرض مثل فيضان حل الظلام فجأة... اختلطت الأصوات... نساء تولولن..أطفال يبكون...رجال يصرخون....البعض ينادي علي أهله, والبعض الآخر يبحث عن أطفاله في محاولة مستميتة من الجميع للتعرف علي أصوات ذويهم, بدأ الناس يندبون قدرهم وقدر آبائهم, والبعض يصلي في هذه الحالة المفزعة المميتة سأل البعض عون الالهة, وخيل للبعض الأخر أن الآلهة قد رحلت وأن العالم سوف يغط في ظلام دامس إلي الأبد..عزائي الوحيد في مصيري البائد هو فناء العالم كله معي وفنائي معه الفقرة السابقة لم تقتطف من أسطورة يونانية عتيقة, ولا من نص ديني قديم, ولم تشتق من عمل أدبي ولا تحتوي علي أي مبالغات شعرية الفقرة هي جزء من خطاب للكاتب الروماني بليني الأصغر الي صديقه المؤرخ تاكيتوس يصف له لحظات اندلاع بركان فيزوف عام79 م في ايطاليا والذي طمر مدينتي بومبي وهركولانيوم المأهولتين بالسكان وقتئذ بالرماد لمدة1600 عام حتي تم اكتشافهما في القرن الثامن عشر وقد نجا بليني لأنه عند بدء انفجار البركان كان مقيما في مدينة ميسينا التي تبعد عن البركان حوالي(30 كيلو مترا) مع والدته وعمه الفيلسوف الطبيعي بليني الأكبر والذي مات أثناء محاولته انقاذ سكان المدينة. مشهد مثير مثل الذي وضعه بليني يكفي لصنع رواية من روايات الأبوكاليبس, وهي القصص التي تتعلق بفكرة نهاية العالم, أو نهاية الحضارة بسبب الحرب النووية أو انتشار الأوبئة أو أي نوع من الكوارث البيئية. يتضمن هذا النوع من الجنس الأدبي لقصص الخيال العلمي روايات مثلEarthAbides للكاتب جورج ستيوارت وروايةAlasBabylon للكاتبPatFrank ورواية الطريق(TheRoad) للكاتب كورماك وRiddleyWalker للكاتب راسل هوبان. اليوم وقد اجتمعت كل الأسباب لخلق رواية مروعة عن نهاية العالم والحضارة وهلاك الانسان من ارتباك لاقتصاديات العالم, وحدوث كوارث طبيعية سواء كانت سلسلة الكوارث التي شهدها العالم طبيعية أم بفعل فاعل كما يؤكد أنصار نظرية التوتر السطحي وتغيرات مناخية مذهلة, وتدهور في المحاصيل الزراعية, وأوبئة وأمراض خطيرة تجتاح العالم عادت المؤلفات التي تنبأ باقتراب الساعة وأدبيات الأبوكاليبس للازدهار مرة أخري. وظهر أخيرا عدد من الروايات والأفلام التي تنبيء بنهاية العالم والتي حازت علي شعبية ومقروئية عالية جدا مع تزايد الشعور العام باقتراب الكوارث, فكان أن أعلن رائد كتب الخيال العلمي في مصر نبيل فاروق في نوفمبر2009 إنه سيختتم سلسلة روايات مصرية للجيب بروايته نهاية العالم وظهرت عدد من الروايات العالمية حول نفس الفكرة مثل( في عالم مثالي)2009 للشاعرة والروائية الأمريكية لورا كاسيشكي, في الوقت الذي حقق فيه فيلم( أفاتار) أعلي مبيعات في العالم, والذي كان يحمل في طياته معني نهاية حياة الانسان كسيد للكون وبدء عهد الأفاتار باعتباره تجسيدا للاله من حيث كونه كلا متكاملا من حيث الرقي والتحضر والاخلاق والقوة واحترام الطبيعة. وبغض النظر عن تجارية الفكرة فقد كانت ظاهرة التلازم بين الكوارث الطبيعية والأعمال الأدبية, خاضعة لتحليلات ومناقشة عدد من المفكرين والنقاد في الصحافة العالمية وفي هذا السياق قامت صحيفة الجارديان البريطانية هذا الأسبوع بحوار مسجل قامت به مع ثلاثة من رواد الخيال العلمي في بريطانيا هم الجيولوجي والصحفي بالجارديان سابقا وصاحب كتاب( كاراكوتا: يوم انفجر العالم)2003 سايمون وينشستر والناقد الفني البريطاني اكسان بروكس والمدون وكاتب روايات الخيال العلمي الانجليزي داميين وولتر ليحللوا ظاهرة التلازم بين الكوارث والبراكين وأدبيات نهاية العالم. يؤكد وينشستر في حواره مع سارة كراون علي الالهام الفكري والبصري الذي تحدثه الكوارث الطبيعية وخصوصا البراكين بالنسبة للأدباء والكتاب اعتبر نفسي من المحظوظين القلائل الذين اتيحت لهم فرصة رؤية بركان حيا. فكرة اندلاع الحمم البركانية الحمراء والبنفسجية في صورة شلالات متوهجة لهو أمر شديد الروعة والسحر, الي الان مازال المنظر يلهمني ويضيف صاحب أكثر كتب الجيولوجيا مبيعا: علي عكس الزلزال الذي يثير الرعب فقط فان البركان حي ومتوهج وعندما تشاهده يحدث لك ماحدث لي في كاركوتا, تتدارك مدي تفاهتك وضآلتك, كمن ينظر الي بحر هائج, أو الي شلالات فيكتوريا ولكن مصحوبا بالنيران والأبخرة والحمم وهو أمر مؤثر جدا...لذلك تجدين الكثير من الفنانين الذين حاولوا محاكاة البراكين في لوحات ابداعية مثل وليام أسكروفت الذي رسم تغيرات السماء من تشلسي من غرب لندن اذ لاحظ تغيرات في طلوع الشمس وبقي أربع سنوات بين سبتمبر1883 م وسنة1886 يرسمها انتج خلالها خمسمائة لوحة محفوظة الان بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن. ويري وينشستر أن البراكين الحديثة غيرت نظام العالم كله: عندما اغتيل ابراهام لينكولن1865 الرئيس السادس عشر للولايات المتحدةالأمريكية وصل الخبر الي قراء الصحف البريطانية بعد12 يوما في حين وصل خبر اندلاع بركان كاراكاتو في أندونسيا1883, الي سكان لندن بعد أربع دقائق فقط من اندلاعه هذه اللحظة هي التي تشكل فيها مايعرف بمفهوم الشبكة العالمية والعالم كقرية صغيرة ويتفق وولتر مع وينشستر علي الارتباط بين الكوارث الطبيعية وأدب الخيال العلمي. الكوارث الطبيعية وما يتبعها من احياء لسيناريوهات نهاية العالم تقدم اطارا شديد الدرامية بالنسبة للكتاب,كما أن الخيال العلمي يكون في الأغلب اهتمامه منصبا علي قصص المغامرات وأناس في مواقف شديدة البطولية أو شديدة الضعف وهو أمر لاتوفره الظروف العادية لذلك فالكتاب يستحضرون الكوارث من أجل مشهد مختلف ويعتقد والتر أن أدبيات نهاية العالم لاترتبط فقط بالكوارث الطبيعية وانما بالأزمات الاقتصادية والسياسية أيضا وفي هذه الحالة يقوم أدب الخيال العلمي بتحليل واعادة تركيب المشهد السياسي: في كتاب( غرق العالم) لجيمس بالارد1962 استخدم الكاتب البركان ليقدم اسقاطات علي عالمنا ولأن كل انتاج أدبي يعكس الظرف السياسي والاقتصادي للدولة تجد تصوير الكوارث في الأدب الأمريكي دائما مايكون المستهدف فيه والذي يسعي الجميع لانقاذه هو البيت الأبيض وذلك لاحساس الأمريكيين الدائم بفوقية الدولة علي عكس الأدب البريطاني الذي تكون نهاية العالم فيه أكثر ارتباطا بالمجتمع يواصل والتر: واذا كان أدب الخيال العلمي خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي مرتبطا بفكرة المستقبلية مثل قدرة كل انسان علي السفر عبر الزمن والتفاؤل حيال التكنولوجيا التي ستسهل كل شئ علي البشرية والتكنولوجية الطيبية التي ستمنح الانسان عمرا مديدا فان روايات الخيال العلمي الان أكثر قتامة واظلاما ويحمل الناقد الفني بروكس أدب الأبوكاليبس الكثير من الدلالات الأخلاقية: تمتاز البراكين والكوارث بشكل عام بمجاز اسطوري يكون محملا بالمعاني الأخلاقية والوعظ الانساني بما يتضمنه من احساس بضآلة الانسان وضعفه