عمل المجتمع الدولي علي مكافحة جميع أشكال التمييز والعنصرية عبر سياسات فاعلة في مواجهة الدول والمجتمعات التي تتبع هذه السياسات, وعبر إبرام اتفاقات ومعاهدات دولية ومن قبيل ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في10 ديسمبر عام1948, إعلان الأممالمتحدة بإدانة كافة أشكال التمييز العنصري في20 نوفمبر1963, الاتفاقية الدولية للقضاء علي كافة أشكال التمييز العنصري والتي أعدتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة واعتمدتها الجمعية العامة في21 ديسمبر1965 ودخلت حيز التنفيذ في4 يناير1969, الاتفاقية الدولية لمكافحة الفصل العنصري التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1973 ودخلت حيز التنفيذ في18 يوليو1976, واتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام1979 ودخلت حيز التنفيذ في سبتمبر عام1981. أيضا هناك الإعلان الخاص بالقضاء علي جميع أشكال التعصب والتمييز القائمة علي أساس الدين أو المعتقد التي أقرتها الجمعية العامة في نوفمبر عام1981, وهناك أيضا الإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية والتي اعتمدتها الأممالمتحدة في ديسمبر1992. وعلي الرغم من أن الدول العربية كانت من أوائل الدول التي تصدق علي المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومناهضة التمييز, إلا أن المشكلة ظلت تتمثل بوضوح في عدم انتقال مباديء هذه الاتفاقات من مستوي القبول النظري والقانوني إلي الممارسة العملية, بمعني أن غالبية الحكومات العربية لم تتعامل بجدية مع هذه الاتفاقات وإن كانت تعمل علي التوافق معها علي النحو الذي لا يرتب لها مشكلة في علاقاتها الدولية وتحديدا مع الولاياتالمتحدة. يضاف إلي ذلك ارتفاع معدلات الأمية في المجتمعات العربية وانتشار التعليم الديني كل ذلك ساهم في احتفاظ المجتمعات العربية بمسافة كبيرة عن استيعاب ثقافة حقوق الإنسان من منطلق إنساني عالمي. فمنذ حقبة السبعينيات بدأت عملية تديين المجال العام في مصر, ثم تبعتها دول عربية أخري, وانعكس ذلك في تديين أدوات التنشئة من تعليم وإعلام, فباتت الأسر والمؤسسات الدينية مستغرقة في حالة تدين شكلي رافضة لكل القيم الإنسانية, وفي القلب منها قيم التنوع والتعدد, المساواة, قبول الاختلاف.. ومن ثم أثمرت عملية تديين أدوات التنشئة, فاخلت مجتمعاتنا في حالة من التدين وصل الي تديين الأنشطة الاجتماعية والهوايات, ولم تعد المشكلة مقصورة علي الفئات الأقل تعليما وثقافة, بل طالت القطاع الأكبر من العاملين في حقل الإعلام من مرئي ومسموع ومقروء, حيث تراجعت, وفي أحيان كثيرة غابت قيم حقوق الإنسان الأساسية, كما بات الكثير أسير الرؤية الدينية الضيقة التي يأخذها علي الغير دون أن يدرك أنه بات أسيرا لها ومستغرقا فيها, يفسر الأحداث والوقائع من أرضية دينية دون رؤية شاملة ويستخدم لغة عنصرية في وصف المختلف معه وعنه, بحيث بات المختلف دينيا أو فكريا بمثابة عدو أو مصدر للشر أو متآمر. بل هناك إنعدام للحساسية في التعامل مع قضايا عقائدية, فصورة المختلف الديني أو العقائدي, صورة سلبية للغاية, بل وصل الأمر إلي التعامل مع المختلف دينيا علي إبتلاء يقتضي من المتسبب فيه أن يستتر, أي أن يغلق هذا الملف وربما ينكر الصلة به, والأفضل أن يعلن براءته منه لان لفظة المختلف دينيا تكاد تكون تهمة في عرف بعض ممن وضعت في أيديهم أقلام أو سمح لهم بمخاطبة الرأي العام. الأمر المؤكد أن عوامل خارجية عديدة ساهمت في الحد من تغلغل قيم حقوق الإنسان ومناهضة العنصرية ونبذ التمييز في المجتمعات العربية, وتمثل ذلك بالأساس في استمرار الصراع العربي الإسرائيلي, سواء كان سببا حقيقيا أو أن نظم الحكم العربية استخدمته كمبرر وذريعة لإعاقة انتشار قيم حقوق الإنسان ومناهضة العنصرية. يضاف إلي ذلك سيادة قناعة عامة في المجتمعات العربية مؤداها الاستهداف من قبل القوي الدولية الكبري, وأن أحد دواف ومحركات هذا الاستهداف هو البعد الحضاري( الديني/ القومي/ الثقافي), ومن ثم فالرد العملي هنا علي الإحساس بوطأة العنصرية من قبل الآخرين, هو مزيد من الإحساس بالتميز الذاتي, ومن ثم التمييز ضد الآخر ولو علي المستويين المعرفي والإنفعالي, ومنطقي أن يقود ذلك إلي سلوكيات عنصرية/ عدائية تجاه الآخر المختلف علي المستويين الفردي والجماعي تبدي علي مدار العقود الماضية في أعمال عنف ديني/ طائفي علي النحو الذي رصده بدقة واقتدار تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الذي رصد هذه الاعتداءات علي مدار عامين فقط هما عاما2008 و2009, ومن يقرأ التقرير بتمعن يكتشف إلي أي حد باتت المشكلة مركبة وإلي أي حد بات الفكاك منها يتطلب خططا متعددة المستويات موضوعيا وزمنيا.