هناك أحوال تستبد ببعض النفوس, وتغري بالمغالبة, وتجعل الفرد يناوش غيره بجدال عقيم, يصيد الشبهات التي تدعم جانبه, والعبارات التي تروج حجته , فيكون حب الانتصار عنده أولي من إظهار الحق, وثمة اناس أوتوا بسطة في ألسنتهم تغريهم بالاشتباك مع العالم والجاهل إذا سلطوا ذلاقتهم علي شئون الناس أساءواالأمم والجماعات لا تسعد ولا تنتج, ولا تستقيم أمورها إلا إذا اتحدت وتعاونت, وكانت قوة واحدة, تصدر عن رأي واحد, وترمي إلي هدف واحد, وتمنع كيد الشيطان أن يوهي حبالهم, ويفسد ذات بينهم.ومن الضمانات التي اتخذها الإسلام لصيانة الأمة, والحفاظ علي وحدتها وقوتها تحريمه الجدل, وسده لأبوابه, حقا كان أو باطلا, كي لا يتفرق أبناؤها شيعا وأحزابا يضرب بعضهم رقاب بعض, إذ الجدال أبعد شيء عن البحث النزيه والاستدلال الموفق, وهو أبغض الأشياء عند الله سبحانه يفشو في الأمم التي ضلت سواء السبيل, وجانبت خطة الفلاح, فهو مهلكة للأمة, ومفسدة للأخلاق, ومضيعة للأوقات والأعمال, وهو من أعمال الكافرين الموصوفين به قال سبحانه: يجادلونك في الحق بعد ما تبين سورة الانفال آية رقم:6 ذلك أن هناك أحوالا تستبد ببعض النفوس, وتغري بالمغالبة, وتجعل الفرد يناوش غيره بجدال عقيم, يصيد الشبهات التي تدعم جانبه, والعبارات التي تروج حجته, فيكون حب الانتصار عنده أولي من إظهار الحق, وثمة اناس أوتوا بسطة في ألسنتهم تغريهم بالاشتباك مع العالم والجاهل إذا سلطوا ذلاقتهم علي شئون الناس أساءوا, وإذا سلطوها علي حقائق الدين شوهوا جماله, وأضاعوا هيبته, وقد سخط الإسلام أشد السخط عليهم, ففي الصحيح قوله صلي الله عليه وسلم : إن أبغض الرجال إلي الله الألد الخصم رواه البخاري ونحن مع ذلك أصبحنا في جدال وخصام: في الصحف جدال وخصام؟ وعلي المنابر جدال وخصام, وفي الأندية جدال وخصام, وفي الشوارع والميادين جدال وخصام, حتي عم الجدال معظم الأمور, جدال في الدين, وجدال في السياسة, وجدال في العلوم والآداب, عندما يتصدي له هذا النفر من الأدعياء البلغاء, يفسد به الدين, كما تفسد به السياسة والعلوم والآداب, ولعل السبب في الانهيار والتحزب السياسي والفقهي والمذهبي, والانقسام, وغير ذلك مما أصاب مجتمعنا هو هذا الجدل الملعون. ومن العجب العجاب أن الجميع مؤمنون بخطر ذلك علي الأمة, ومع ذلك فهم في خوضهم يلعبون, وفي مرائهم وجدلهم يختصمون. ألا ما أحوجنا في هذا الوقت العصيب الذي خضنا فيه كل مخاص, وتجرعنا كئوس الخلاف إلي البعد عن الجدال والاستجابة لنداء الحق: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.