كانت الأمور تبدو وكأنها تسير بصورة جيدة, قبل أن يتصاعد الموقف ليظهر أن هناك مشكلة تتعلق برغبة معظم دول حوض النيل في إعادة النظر في بعض الترتيبات المتعلقة بحصص المياه والموافقة المسبقة لدول الممر أو المصب علي مشروعات دول المنبع, وكان التوجه الذي ساد في مصر هو أننا يجب ألا نقوم بتصعيد الموقف, أو البدء في شن حملات, والاعتراف بأن هناك مشكلة, لكنها غير مستعصية الحل, فقضية بحجم مياه النيل يجب ألا تخضع لأي نوع من الطيش الإعلامي التقليدي, ولن تجد في التعامل معها أي حملات تؤدي إلي تسخين الداخل, وإثارة الأشقاء في منطقة الحوض, دون طائل. الآن اتضح أن المشكلة أكبر مما كان يتم تصويرها في العادة, وأن فكرة عدم الاستعصاء علي الحل لاتزال صحيحة, لكنها أيضا تحتمل' الاستئناف', فالحل ليس سهلا, وهنا علي الجميع أن يحتفظوا بهدوء الأعصاب في التعامل مع الموقف كله من الآن فصاعدا, وأن يتم الفصل بشدة بين مايقال إعلاميا وبين مايثار رسميا, فالقضية ليست مباراة كرة يتم التشاحن حولها مع الجزائر, وإنما مصلحة أمن قومي مصرية عليا, تتطلب الدراسة السريعة, وتقدير المواقف, وبحث الخيارات المحتملة للتعامل مع دول تريد أن تمارس سلوكا ضاغطا, ولا تريد أن تتعامل بعقلانية مع ماتطرحه مصر بشأن الاستفادة من الإيراد الهائل للنهر, بدلا من التفكير قصير المدي. البداية هنا هي أن لدينا موقفا شديد القوة من الناحية القانونية, وليست هذه هي القصة في الواقع, فلدينا احتياجات مائية تبرر الإبقاء علي الحصة إن لم تكن زيادتها, والأكثر أهمية أنه لاتوجد لدينا خيارات كثيرة بديلة للإصرار علي موقفنا الثابت, وبالتالي يجب ألا يحدث بأي صورة علي الإطلاق, أن يتم التفكير ولو كخيار نظري في تعديل هذا الموقف, وعلي دول الحوض أن تفهم أن موقف مصر نهائي, ولن تتراجع عنه, ولن توقع علي اتفاق يؤثر عليه, ولن تعترف بأي تأثيرات قانونية تترتب علي هذا الاتفاق, وأن هذه مسألة نهائية. مادون ذلك, يجب أن تكون هناك مرونة بشأنه, فمن الممكن تطوير مبادرات التعاون المطروحة من جانب مصر لتتضمن مشروعات إضافية, أو تمويلا أكبر, لمشروعات دول الحوض, التي تهدف إلي تنمية مواردها المائية, أو قدراتها الكهربائية, أو أنشطتها الزراعية, وفقا لمبدأ المصلحة المشتركة, وربما سيكون علينا أن نفكر في أساليب أعقد مما تفكر به وزارة الري في العادة, فيما يتعلق بتطبيق ذلك, وبالتالي علينا أن نستمر في التفاعل مع تلك الدول, والحوار معها فرادي وثنائيات, لكي نصل إلي موقف مقبول دون إثارة, وألا نفكر حاليا علي الأقل في السؤال الذي نعرفه جميعا, ولو إلي حين, فمدخل إجابته معروفة, وهي أن المياه قضية أمن قومي. [email protected]