خدعوك فقالوا سلمية.. هي جملة ينطق بها لسان حال جموع الشعب المصري الذي أصبح تنتابه حالة من القلق والذعر بمجرد الدعوة إلي مظاهرات سلمية. والتي لم تلبث أن تبدأ إلا ويتخللها مجهولون للقيام بأعمال البلطجة والتخريب علي مرأي ومسمع من رجال الأمن, في إطار تكرار ذات المسلسل الذي غالبا ما يكون بطل حلقته الأولي هو سقوط قطرة دم لكي تزيد من سخونة الأحداث وتجر خلفها سلسلة من حلقات الإجرام والتخريب المتعمد علي أن يختتم بحلقة مأساوية تشهد سقوط عدد ضخم من القتلي والمصابين وتخريب للمنشآت العامة والخاصة بل وتشويه صورة مصر برمتها.. ويظل المواطن المصري البسيط هو ضحية متابعة هذا المسلسل الذي تكررت أحداثه دون تعلم من أخطاء الماضي.. فإذا كان هذا هو سيناريو السلمية فكيف يتصور سيناريو الإرهاب؟. في البداية يقول دكتور ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل: إن المصريين بطبيعتهم غير دمويين ولا يميلون إلي العنف مما يؤكد اندساس طرف ثالث بين المتظاهرين ورجال الأمن لإثارة الشغب وإشعال الشراراة الأولي التي تفتح أبواب العنف, مستغلين ضعف المنظومة الأمنية وحالة الاحتقان لدي الشباب, لافتا إلي أن المتظاهرين قد يسعون إلي تصعيد احتجاجاتهم إلي حد قطع الطرق وتعطيل المصالح كإحدي وسائل الضغط علي المسئولين لتحقيق مطالبهم, إلا أنها لا يمكن أن تصل إلي حد القتل. وأكد أنه لا سبيل لضمان عودة مفهوم التظاهرات السلمية سوي بتفعيل القانون وإشعار المواطنين بجدية الحكومة في تحقيق مطالب الثوار الأمر الذي سيهديء من روعهم ويحد من قدر تربصهم تجاه الدولة. ومن جانبه, أكد حسين عبد الرازق القيادي بحزب التجمع تعدد الأسباب المؤدية إلي نهايات التظاهرات المؤسفة, والتي من بينها انتشار الأسلحة واندساس مجموعات طائشة من غير المنظمين للتظاهرات للقيام بأعمال خارجة عن السياق, مشيرا إلي تقصير الدولة الواضح في القيام بدورها في حماية المتظاهرين وملاحقة المجرمين الذين تسببوا في تشويه صورة الثوار الحقيقيين أصحاب المطالب المشروعة. وأشار عمرو حامد عضو اتحاد شباب الثورة إلي أن السبب الرئيسي وراء تحول التظاهرات السلمية إلي دموية هو استمرار السياسات القمعية من قبل رجال الأمن لمواجهة المتظاهرين, والتي من بينها استخدام المنشآت العامة للدولة لتفريق المتظاهرين مثل استغلال أسطح مبني ماسبيرو والمجلس المحلي بمدينة السويس في إلقاء الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين مما يؤدي إلي تصاعد وتيرة الغضب من جانب المتظاهرين وحدوث أعمال العنف والتخريب, فضلا علي الاحتقان المترسخ داخل الشباب بسبب عدم تحقيق مطالب الثورة حتي الآن رغم انقضاء عامين علي اندلاعها. وشدد علي أن الدولة هي المسئول الأول والأخير عن إلحاق الضرر بالمنشآت العامة لأنها من تستخدمها كحصن لها في مواجهة المتظاهرين, لافتا إلي ضرورة التعامل مع هذه المنشآت بشيء من القدسية والاحترام. ومن جانبه ألقي كارم رضوان عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة اللوم علي القوي المعارضة حينما سمحت بانضمام رموز النظام السابق بين صفوفها واشراكهم في إدارة أعمالها, الأمر الذي فتح الباب لتشويه صورة التظاهرات السلمية من خلال أعمال العنف والتخريب, لافتا إلي أن أذناب النظام السابق يهدفون إلي إبراز فشل النظام الحالي في السيطرة علي سلمية سير الأحداث, مؤكدا أن النتيجة التي تئول إليها التظاهرات والوقفات الاحتجاجية من سقوط قتلي ومصابين أدت إلي عزوف فئات عريضة من المجتمع المصري عن الاستجابة للمشاركة في هذه التظاهرات, والأعداد القليلة المتوافدة علي ميدان التحرير أمس الأول للاحتفال بذكري الثورة تعد خير دليل علي ذلك. وأكد دكتور ناجح إبراهيم أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية غياب صفة السلمية في كافة التظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي أعقبت ثورة25 يناير عام2011, والتي كانت ثورة خالصة من أبناء شعب مصر المخلصين الذين نجحوا في الالتفاف حول مطالب سامية تهدف إلي إسقاط نظام بائد دام لعدة سنوات, أما الآن فقد اختلط الحابل بالنابل وتدخل أصحاب المصالح والأغراض الشخصية ليفسدوا علي الشعب المصري فرحته بالثورة التي لم يجني ثمارها, مستغلين حالة الانفلات الأمني وطاقة الشباب الثائر في تحقيق مطالبهم الدنيئة من خلال البدء بأعمال إجرامية تشعل لهيب الموقف حتي يصبح من الصعب السيطرة علي الأوضاع فيما بعد. وفي نفس السياق أكد دكتور سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس السياسي- علي صدق نوايا الداعين إلي التظاهرات السلمية, إلا أن تجمهر آلاف الشباب في مكان ما بشكل مكثف يسمح بدخول عناصر دخيلة ممولة من الخارج تهدف لإثارة الوقيعة بين رجال الأمن والمتظاهرين لتبدأ المعركة المعتادة التي تسفر عن سقوط ضحايا, من أجل تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في استمرار حالة الفوضي في مصر ووقف عجلة الإنتاج. وأكد ضرورة تخصيص الدولة أماكن محددة يسمح فيها بالتظاهر, مع منح رجال الأمن سلطات كبري تمكنهم من التصدي للخارجين علي القانون خاصة بعد أن أصبح الأمر متعلقا بأرواح المواطنين الأبرياء. فيما وصفت عزة هيكل الكاتبة والناقدة- المشهد الملتبس الذي نعيشه الآن بحالة من استعراض القوي من قبل أطراف مختلفة كل بطريقته الخاصة من أجل تحقيق مصالح شخصية, فهناك من يستخدم السلاح في استعراض قوته وآخرون يستخدمون كثرة العدد وآخرون يستخدمون أعمال الإرهاب والعنف, علي أن تجتمع تلك العوامل لتؤدي إلي مزيد من الصدام والتفرقة بين أبناء الوطن, خاصة إذا ما صوحبت بسوء إدارة من قبل القائمين علي شأن البلاد, والذين يقع عليهم عبء توحيد الصف ولم الشمل والذي لن يتأتي إلا بحوار وطني جاد وتفعيل لدور دولة القانون.