هل وصل الربيع العربي إلي العراق؟ سؤال يطرحه عدد من المراقبين والخبراء الاستراتيجيين في ضوء الأزمة التي تمر بها البلاد والتي عبرت عن نفسها في مظاهرات حاشدة متصاعدة في أكثر من مدينة خلال الأسبوعين الماضيين احتجاجا علي سياسات رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي بدا وكأنه يقود بلاد الرافدين إلي مواجهة طائفية قد تعصف بكل ما تبقي من مقومات الاستقرارالحالية, وبعدما ردد المتظاهرون شعار الشعب يريد إسقاط النظام. الأزمة حقيقية تكشف محاولات المالكي الاستئثار بالسلطة وإقصاء باقي مكونات الشعب العراقي من الحكم خاصة السنة وهو ما قد يؤجج الانقسام المذهبي وقد يدفع بالبلاد إلي أتون حرب طائفية لن تبقي ولن تذر. فالمالكي يتجاهل مكونات الشعب العراقي التي تضم سنة وشيعة وأكرادا وتركمان ومسيحيين وصابئة وغيرها من المذاهب والأعراق, بكل ما تعنيه تلك التركيبة الفريدة في نوعها من ولاءات لقوي إقليمية خارج العراق قد تضطر لمواجهة سياسات المالكي إلي طلب مساعدتها. مظاهرات الاعتراض شملت بغداد والموصل وبعقوبة, ففي حي الأعظمية ذي الأغلبية السنية في العاصمة انطلقت الجموع من أمام مسجد الإمام أبو حنيفة النعمان بدعوة من المساجد تضامنا مع مظاهرات الأنبار, وفي ساحة الأحرار بالموصل خرج الآلاف معترضين, ولم تتأثر حشود المتظاهرين بمحاولة الأمن تفريقهم بالقوة. المتظاهرون رددوا شعارات تدعو إلي إلغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة أربعة إرهاب وإطلاق سراح السجناء والسجينات ووضع حد للتهميش الذي يتعرض له السنة من قبل حكومة المالكي. واللافت أن الزعيم الشيعي مقتدي الصدر بدا وكأنه يدرك خطورة الموقف المتأزم بين الشيعة والسنة أكثر من المالكي ويحاول امتصاص الاحتقان المذهبي أدي صلاة الجمعة في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني أو ما يسمي بالحضرة الكيلانية, أحد أكبر الجوامع السنية في بغداد و أعلن تضامنه مع مطالب المتظاهرين في الأنبار باستثناء الدعوة إلي إلغاء قانون المساءلة والعدالة أو اجتثاث البعث, وأكد انه سيرسل وفدا يمثله لمساندة المتظاهرين هناك. وأعلن دعمه للاحتجاجات السنية ضد الحكومة المركزية في البلاد التي يهيمن عليها الشيعة مؤكدا حق المتظاهرين في التظاهر السلمي, ودعا الحكومة الي الاهتمام بالشعب العراقي والدعوة الي الحوار بين جميع أطرافه, وعدم تهميش أي من الشركاء السياسيين, وشدد علي أنه يجب علي البرلمان أن يقف مع المتظاهرين وناشد المالكي تلبية مطالبهم. القائمة العراقية بقيادة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي دعت في وقت سابق إلي التنسيق مع إقليم أحزاب شمال العراق لبلورة موقف سياسي ينسجم مع تطلعات الشعب معتبرة أن انتفاضة إسقاط نظام المالكي بدأت وأن الشعب هو من يقود التغيير. وقال علاوي: العراق ليس ملكا لشخص واحد, مؤكدا أنه لا بديل عن رحيل حكومة المالكي وإفساح المجال أمام حلول جذرية بعدما أثبتت عجزها الكامل عن إصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وتوفير الخدمات. ورغم تعليمات المالكي لقوات الأمن بممارسة أقصي درجات ضبط النفس لتفويت الفرصة علي ما وصفها بالمنظمات الإرهابية التي تعمل علي جرها إلي مواجهة مسلحة أو ضرب المتظاهرين السلميين و منع تلك المنظمات والجماعات المسلحة من اختراق التظاهرات وحرف مسارها السلمي وتشويه مطالبها المشروعة, ورغم إشادته بمواقف علماء الدين وفي مقدمتهم الشيخ عبد الملك السعدي الذي كانت لتوجيهاته السديدة ودعواته الوسطية الأثر البالغ في سحب البساط من تحت أقدام من وصفهم بالمتطرفين والمتربصين بالشعب العراقي, وإشادته بمواقف العشائر التي تصدت لمحاولات الإساءة للدولة ورموزها ومؤسساتها وتلاحمهم مع العراقيين في مواقع المسئولية السياسية والأمنية.. إلا أن المتظاهرين لم يتنازلوا عن المطالبة بإسقاط النظام.. ما يفيد تصاعد الأزمة واقترابها من الوصول إلي طريق مسدود ينذر بمواجهة باتت وشيكة. وفي سياق متصل اتهم عزة الدوري نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ظهور إعلامي نادربملابسه العسكرية المالكي بأنه ينفذ مشروعا صفويا لتدمير العراق وجعله تابعا لإيران, مؤكدا أنه موجود بمدينة بابل لدعم التظاهرات, وناشد المعتصمين في الميادين العراقية التي وصفها بميادين الجهاد في الفلوجة ونينوي وصلاح الدين وسامراء وغيرها قائلا إن شعب العراق وكل قواه الوطنية والقومية والإسلامية معكم, ويشد علي أيدكم, ويؤازركم حتي تحقيق مطالبكم العادلة في إسقاط الحلف الصفوي والفارسي. وأضاف: قيادة حزب البعث تدرس اليوم موضوع القصاص العادل والحازم من كل من يقف مع المشروع الصفوي في العراق.. ونحذر أولا الخونة والعملاء والجواسيس سواء داخل العملية السياسية أو خارجها الذين يساندون المشروع الخطير في القول أو الفعل أو العمل في جريمة تدمير العراق وتفريغه وتفريسه وخمئنته- في إشارة إلي آية الله خامنئي مرشد الثورة الإيرانية- بأن المقاومة الوطنية ستتصدي لهولاء قبل المالكي وحلفه الشرير إن لم يتراجعوا ويلتحقوا بشعب العراق.