كانت نهلة تنقل خطواتها بسرعة وحيوية في حالة لا توصف من البهجة والفرح بعد أن سلمت علي حبيبها وليد عقب قضاء وقت من السحر والخيال معاً بإحدي الحدائق شبه المهجورة التي لا تطؤها قدم منذ فترة في إحدي ضواحي مدينة مغاغة تطير وسط أمواج من السعادة تود أن تسلم وتحتضن من تعرف ومن لا تعرف في في تودد لا ينتهي هكذا كان شعورها، ألم يعترف لها وليد أنها حبه الكبير؟ ألم يقسم لها أنه لن يخرج من الدنيا إليا ويداهما متشابكتان إلي الأبد؟ ألم يكن صادقا حين قبل يدها وهمس بأنه أسعد رجل في العالم لأنه يعيش ويجلس إلي جوارها؟ هكذا كانت تسأل نفسها، إذن فلماذا لا تكون أسعد فتيات البلدة وأوفرهن حظا. وما أن وصلت نهلة إلي بيتها حتي كان لافتا احمرار وجهها المتوقد وحماسها وهي تتحدث مع ذويها وما أن دلفت إلي حجرتها حتي أغلقت بابها ووقفت تستند بظهرها خلفه وعلت وجهها الابتسامة وشعرت بالرضا يملؤها وقبل أن تخلع نعليها كان هاتفها يرن بالنغمة المفضلة للحبيب وليد وبالطبع لم يكن غيره يتحدث والتقطت الهاتف بلهفة وهمست وهي تلتفت تطمئنه علي وصولها غانمة وتطالبه بإنهاء المكالمة بسرعة علي أن تهاتفه فجرا قبل لقائهما غدا وعذرها دائما جاهز البحث عن عمل مع صديقتها الأثيرة التي تتفنن في المداراة والكذب لئلا يفتضح أمر الغرام الملتهب بين نهلة ووليد. ومع استمرار اللقاءات الدافئة والغوص في الأحلام منفردين تطورت اللقاءات إلي ما يشبه لسع النيران وحتي يرسل ويثبت وليد كل الطمأنينة الممكنة في عقل وقلب نهلة ووجدانها أخبرها أنه يعدلها في اليوم التالي مفاجأة كبيرة لأن ظروفه لا تسمح بالزواج الآن ارتبكت نهلة بسرعة وتلعثم لسانها وهي تذكره بوعوده القديمة، ولكن وليد نطق لسانه وهو يحافظ علي ثبات كلماته أنه يحبها حباً لا يوصف وستري غدا ما يؤكد ذلك. ونامت نهلة تحلم بخاتم من الألماظ يحيط بإصبعها الدقيق ثم يتحول إلي ذهب ثم خاتم دون فص، وأحست بقبلة وليد فوق رأسها وملابس الزفاف تزينها والزغاريد تلفها والطبول تقرع أذنيها وأمها تقترب منها وعيناها تدمعان فرحا علي زفافها وانتقالها لعش الزوجية ونادت عليها واستيقظت فجأة علي صوتها يناديها مستفسرة عن سر همهمتها أثناء نومها فانتبهت أنها تحلم فأعادت الأم سؤالها فأخبرتها بأنها تشعر بالأرق وعادت للنوم. وفي الموعد نفسه كان وليد حليق الذقن يتعطر تعلم نهلة أنه زهيد الثمن وغير راق ولكنها تعففت وامتنعت عن أن تخجله بذكر ذلك وأمسك يدها وبدأ يبث في رأسها عذب الحديث المتكرر التي باتت لا تمل منه وتصدقه بلا أي شكوك وشعرت نهلة بأنها ارتفعت عن الأرض وسكنت وسط النجوم وفجأة أخرج وليد ورقتين طبع بآخرهما خانتين فارغتين كتب فيهما "الزوج الزوجة" وأخبرها بأنه من فرط حبه لها يحافظ عليها لأنه اشتاق كثيرا لئلا يفترقا للأبد وبشكل رسمي وارتعدت نهلة ممتنعة ولكن مغناطيس حديثه الساحر حقق مبتغاه ودار حوار سريع في رأس نهلة ألست زوجته ويحبني بدون الورقة هو بالفعل لم يمسني ولكني أثق في حبه وإذا كان يريد بي مكروها لفعل منذ أن اختلي بي، واطمأن عقلها لما بثه شيطانها في رأسها، وأسرعت توقع باسمها كاملا علي ورقة الزواج العرفي وأجاد وليد اللعبة صرفها سريعا مؤكدا أنه يجب الاستعداد للاحتفال غدا بهذا الزواج الذي شهدت عليه الأشجار والزهور الذابلة حولها. وكعادتها طارت عائدة إلي البيت تقبل الأرض والسماء فرحة تريد إهداء ما تشعر به إلي الجميع. قبلة طويلة سلمت لها نهلة ساكنة مذهولة في لقاء ثاني يوم لتوقيعها علي الورقة ووليد يقف أمامها وبمجرد اعتراضها ابتسم لها بخبث لائما لها كيف لزوجة أن تلوم زوجها، ولم يستمر الأمر طويلا، زوجة تقابل زوجها سرا في مسكنه بعيدا عن الناس، وكلما ارتفع صوت عقلها محذرا العواقب أخرج لها وليد الورقة وطالبها بإخراج نسختها من حقيبتها التي لا تفارقها وأكد لها أن نهلة زوجة وليد ولن يفرقهما إلا الموت، أيام عديدة مرت أم شهور لا تعلم نهلة ولكنها تعرف أنها تشعر بالإغماء وفقدان الشهية بشكل كبير وشعرت بأنها تقترب من الموت فهاتفت صديقتها الأثيرة، وبعد ساعة ونصف الساعة كان السؤال يعاد علي أسماعها من الطبيب للمرة الرابعة وهو يمسك شرائط التحاليل الطبية هل هي متزوجة أم آنسة! لم تعرف نهلة هذه الشفاه المرتعشة من قبل ولكنها كانت تنتفض وهي تقول إنها آنسة وانتقل بطء الكلمات إلي الطبيب وهو يخبرها بأنها حامل في الشهر السادس ويجب متابعة حملها. ضغطت صديقتها يدها بقوة وجففت عرقها واحتضنتها وهي تبكي وأوصتها بضرورة إخبار والد الجنين الرابض في أحشائها، لن يستطيع أن يتحمل مسئولية أسرة في ذلك الوقت كان ذلك رد وليد الهابط كالمطرقة علي رأس نهلة المتصبب عرقا وهي مذهولة غير مصدقة وأسقط في يدها ولكن وليد تمادي في رعونته وطالب منها أن تسأل طبيبها إجهاض من بدأ يتحرك في أحشائها ودار حوار السحر والساحر ولعب وليد دوره الشيطاني الأثير لديه وزف إليها كلمات العسل والحب الذي لا يوصف حتي تخدر رأسها، وقادت قدما نهلة جسدها إلي الطبيب في اليوم التالي سائلة إياه إمكان التخلص من جنينها إلا أنه نهرها بشدة مؤكدا استحالة حدوث ذلك للخطورة الشديدة، فتوجهت مسرعة إلي منزل وليد عش الغرام الأثير وظلت تروي له متقطعة الأنفاس ما رواه الطبيب، من أدراني ربما لا أكون والد هذا الطفل كان الخاطر يدق بقوة في رأس وليد وهو صامت يسمع ولا يتحدث واتخذ قراره بضرورة التخلص مما يثبت بنوته لثمرة لقائهما الحرام. فالتفت لها وهتف فيها صارخا أنه في عصر اليوم التالي سيكون حل كل المشكلات جاهز ولجأ في الموعد المتفق عليه إلي حيلة والكلام اللطيف والأحلام التي يجب أن تتحقق وخرجت نهلة خالية اليد دون حل يذكر وبعد مغادرتها إلي بيتها اطمأنت علي الحقيبة كعادتها برؤية ورقة الزواج العرفي اللعينة إلا أنها فوجئت باختفائها طار عقلها وجنت وشعرت باختناق يكتنفها. فتحايلت علي الخروج حتي عادت إلي وليد بمنزله وواجهته بسرقته العلامة الوحيدة علي ارتباطهما. خرجت أصابع وليد بهدوء من جيب بنطاله متحديا وبسطها في برود والورقة في يسراه وبدأ يمزقها وكأنه يقطع جسد نهلة جزء تلو الآخر، أغمضت عينيها وانهمر المشهد الذي سلبها حظها أمام عينيها ورأت الشيطان بوجهه الحقيقي لأول مرة وقبل أن تفيق من مصيبتها، صرخ فيها مؤكدا شكه في بنوته لمن يصرخ في بطنها ولا يعلم من أبوه. ونظرت نهلة إلي عين وليد الذي لم تعرف رجلا قبله ولملمت روحها وغادرت مسرعة إلي أسرتها مؤكدة أن زوجها مزق ما يثبت علاقتهما وبعد بكاء وعويل وتعاز علي مأتم لم ينته جمعت أسرتها شتاتها معاتبة وليد محاولة إجباره علي الاعتراف بالجنين، كانت الإهانة والإصرار علي موقفه الرد الذي ذبحهم به وليد، ومرت الأشهر وهبط طفلها إلي الأرض صارخا وأسمته محمد حتي لا يهينه الناس، ولم تستخرج له شهادة ميلاد وحملته وتوجهت إلي أبيه مذكرة إياه بحبهما وما كان يملأ به حواسها، حجر قلب وليد وصخورا كانت مشاعره انهارت عليه دموع نهلة وتوسلاتها وتركت قبلاتها فوق حذائه واستمعت لمن نصحها باللجوء للقضاء لإثبات بنوة محمد لأبيه وذهبت إلي المحكمة وكالعادة كبر محمد وتداولت القضية عاما بعد آخر حتي وصل إلي السادسة من عمره بين أم حولها الدمع إلي شبح من الهزال وأب لان الحديد ولم يلن قلبه حتي الآن. رابط دائم :