يصاب المرء بالدهشة من طرح نماذج للتنمية من كل صوب وحدب في حين لم ينتبه أحد إلي النموذج الكوري في التنمية رغم أنه نموذج يدعو للاعجاب والتأمل ومن ثم يجب طرح سؤال التقدم الكوري في مصر بقوة. * كوريا بلد صغير محدود الموارد يتكون من شبه جزيرة وحوالي3200 جزيرة كبيرة وصغيرة, باتت اليوم نموذجا لواحدة من قصص النجاح الوطني خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, حقق ما كان يعتبره الكثيرون مستحيلا, ففي ظرف جيلين, تمكن البلد من إعادة بناء نفسه بعد الدمار الذي خلفته الحرب الكورية وتحول إلي بلد من العالم الأول كوريا الجنوبية, التي كانت سابقا مستعمرة يابانية(1910 1945), والتي كان مواطنوها يعاملون وكأنهم من جنس أدني وحكايتها بدأت عام1962 حيث كانت الخطة الأولي للتنمية الاقتصادية وقد أدت إلي نقل كوريا من مجرد دولة زراعية ريفية متخلفة إلي دولة صناعية ناجحة تتطلع لأن تثبت وجودها في العديد من الأسواق العالمية أثمرت خطة التنمية الاقتصادية الأولي ثمارا ناجحة في عام1964 عندما تمكنت كوريا الجنوبية من تصدير منتجات بقيمة مائة مليون دولار ومن وقتها بدأ الاقتصاد الكوري في النمو بشكل منتظم وواعد, وبدأت ملامح كوريا كدولة صناعية في التكون في عام1972 هكذا يتضح أن كوريا نجحت كدولة صناعية وليست زراعية, وتم تصنيفها في عام2001 كدولة صناعية متطورة بواسطة البنك الدولي. * كانت الصادرات إذن هي محرك النمو الاقتصادي الجوهري في كوريا وفي العام1960 لم يكن دخل الفرد في كوريا يتعدي79 دولارا عندما قامت كوريا بإعداد أول خطة خمسية للتنمية الاقتصادية تهدف لترقية الصادرات, وخلال أقل من3 أعوام عمدت كوريا إلي خفض قيمة عملتها الوطنية الوون من أجل تحفيز صادراتها وجعلها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية من ناحية السعر وحققت السياسات الحكومية المحفزة للصادرات نجاحا ملحوظا بشكل أذهل العالم, حتي إن كوريا احتلت المركز السابع عالميا من حيث التطور الصناعي والاقتصادي محققة طفرة بواقع9300 ضعف خلال اقل من خمسين عاما فما هو سر هذه الطفرة العجيبة؟ في الواقع توجد ثلاثة أسرار وليس سرا واحدا, وهي اقتصاد السوق, والاستقرار السياسي, والموارد البشرية فالتعليم الممتاز كان عاملا مهما جدا ساعد في إيجاد موارد بشرية ناجحة جدا في كوريا وعملية التنمية الاقتصادية نفسها هي عملية تعليمية في المقام الأول أي شعب لا يهتم ولا يقدس التعليم لا يمكنه النجاح اقتصاديا الشعب الكوري شعب شديد الاهتمام بتعليم أطفاله والطفل هو رأس مال الأسرة الأول, في كل الأسر الغنية والفقيرة الاستقرار السياسي والالتزام بقواعد وموجهات السوق الحرة كانت كذلك أمورا جوهرية في تحقيق النجاح نجحت كوريا بشكل لافت في الاستفادة من هذه العوامل الثلاثة بشكل فاق الكثير من الدول الأخري وهذا هو أهم سر لنجاحها. * وإضافة للعوامل هناك الدور الحكومي المتميز لا يمكن تجاهله ففي أعقاب الحرب الكورية الطاحنة صار الاقتصاد الكوري عبارة عن هشيم تذروه الرياح, وأصبحت العملية السياسية منفلتة تماما, وكان البؤس هو سيد الموقف كانت البلاد بحاجة ماسة لمعالجة جادة وإنقاذ حقيقي وخطط وبرامج عملية للتنمية والإصلاح وقتها تسلم الرئيس بارك جونج هي( والد الرئيسة المنتخبة حديثا) السلطة عبر انقلاب عسكري عام1961 وأعلن قيام خطة تنموية اقتصادية خمسية تهدف لإحداث نقلة كبري لكوريا وجعلها دولة صناعية تعتمد علي الصادرات كانت الخطة تستدعي بناء طرق برية وجسور وهياكل بنية تحتية قوية, تمهيدا لإنشاء صناعات استراتيجية مثل أشباه الموصلات والسفن والسيارات وغيرها, وكل ذلك بدعم حكومي واضح وكان الدور الحكومي وقتها عاملا جوهريا بناء وتشييد طرق برية وجسور وخزانات وسدود ومصانع كان عملا ضخما يتطلب مشاركة حكومية مباشرة وواسعة لكن الأمر اختلف الآن حيث إن المسرح مهيأ وكل ما تحتاجه الشركات الكبري هو القدرات التنافسية المتطورة دور الحكومة اختلف الآن وصار محصورا في كيفية تهيئة وخلق المناخ الصحي الملائم للشركات الكورية لتطوير قدراتها التنافسية وانتهاج سياسات علمية مدروسة ومجزية وجريئة.