تعود معظم الاستثمارات العربية في الخارج إلي رجال أعمال وأفراد من دول عربية مختلفة, مع بعض الاستثمارات العامة التي تعود ملكيتها إلي الحكومات وبخاصة الخليجية, التي تحاول استثمار الفوائد الضخمة للنفط والغاز في أسواق المال الأجنبية. ويعتبر العالم العربي أقل مناطق العالم جذبا للاستثمار وأكثرها طردا له, إذ لا تتجاوز حصته العالمية من الاستثمارات الأجنبية الخارجية المباشرة1% فقط, ما يستدعي عودة الأموال المهاجرة إلي الوطن العربي لتحسين وضعه الاقتصادي. وفي كتابه الاموال العربية المهاجرة يقول المؤلف أدهم ابراهيم جلال الدين أن التقديرات تشير إلي أن الأموال الخليجية حول العالم بلغت نحو730 مليار دولار في عام(2010) منها365 مليارا في دول الاتحاد الأوروبي وحده, والباقي في دول العالم الاخري. وتتركز معظم الاستثمارات العربية في كل من سويسرا وبريطانيا وفرنسا, وهي دول تحتل المركز الأول بين الدول الغربية الجاذبة, والسبب الرئيسي هو سرية الحسابات, ثم تأتي الولاياتالمتحدة, ثم أخيرا ماليزيا وسنغافورة بسبب الاستقرار الاقتصادي. يبحث الكتاب الذي جاء في264 صفحة أسباب هروب رأس المال العربي إلي الخارج سواء الأسباب الطاردة في الداخل أو الجاذبة في الخارج, وحجم هذه الأموال والآثار المترتبة علي خروجها من البلاد العربية, وكيف يمكن عودتها وإعادة توظيفها مرة أخري لصالح شعوب المنطقة, ثم يتطرق إلي مستقبل التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة بين دول العالم العربي والإسلامي. يتناول الكتاب الواقع الاقتصادي العربي ومدي مسئوليته عن هروب رأس المال, من خلال إحصاءات منها أن نسبة مساحة العالم العربي تبلغ10,2% من مساحة العالم, ومجموع سكانه أكثر من350 مليون نسمة(2008) أي حوالي5% من سكان العالم, ويبلغ احتياطي النفط فيه59% من الاحتياطي العالمي, و29,4% من احتياطي الغاز, وتبلغ القوة العاملة112 مليون شخص بناتج محلي تريليون دولار ومعدل بطالة15% وتبلغ رؤوس الأموال العربية في الخارج قرابة1500 مليار دولار, بينما تبلغ الديون المتراكمة نحو150 مليار دولار(2005), وتشكل نسبة خدمة الدين إلي حصيلة صادرات السلع والخدمات10,8%, بينما تشكل التجارة البينية العربية حوالي10% من إجمالي التجارة العربية مع العالم الخارجي. ويشير المؤلف إلي أن المعلومات والإحصاءات والبيانات الدقيقة عن حجم الاستثمارات العربية في الخارج غير متوافرة, وما يذكر من أرقام حول هذا الموضوع هو تقديرات باحثين ومحللين اقتصاديين, وبعض المراكز والمؤسسات مثل صندوق النقد العربي, ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية, والمؤسسة العربية لضمن الاستثمار, ومع ذلك لا تتفق هذه المؤسسات علي رقم تقريبي لحجم الأموال العربية المستثمرة في الخارج, إذ تقدرها المؤسسة العربية ما بين(800-1000) مليار دولار, في حين يقدرها مجلس الوحدة الاقتصادية ب2400مليار دولار. ويتحدث الكتاب عن العوامل الطاردة لرأس المال العربي والتي في مقدمتها عدم استقرار المناخ الاستثماري, وكثرة تعديلات القوانين المنظمة للاستثمار, ووجود ركود أو كساد اقتصادي في الدول النامية, وارتفاع أعباء الفائدة علي القروض, وأيضا وجود فرص أفضل ومشجعة للاستثمار في الدول الأجنبية, مثل الأمان من المخاطر, وسرية الحسابات المصرفية, وارتفاع معدلات الأرباح, مع وجود استقرار سياسي واقتصادي, ومناخ مناسب للاستثمار بشكل عام. ويري المؤلف ان هناك أسبابا موضوعية لهروب رأس المال العربي إلي الخارج منها انعدام أو ضعف الاستقرار السياسي, مما يوحي للمستثمرين بأن الانفتاح الاقتصادي قد يكون مسألة مؤقتة, خاضعة للمزاج السياسي الذي قد يتغير إلي جانب عجز الهياكل الأساسية والمؤسسية عن تهيئة المجال أمام الاستثمار لجني أفضل الأرباح والنتائج, مثل الطرق والخدمات الكهربائية والاتصالات عموما, بالإضافة إلي باقي المرافق والخدمات. وعلاة علي ذلك الاختلالات الهيكلية في أسعار صرف العملات الوطنية, والعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات, إلي جانب البيروقرطية وعرقلتها لاجراءات الاستثمار, وعدم توافر القنوات التي يمكن من خلالها اتخاذ قرارات سريعة بشأن الاستثمار, مما يؤدي إلي تثبيط همم المستثمرين. وطبقا للكتاب فإن الدراسات الاقتصادية أثبتت ان العوامل الأساسية المؤثرة علي قرار المستثمر, تعود أولا إلي الاستقرار الاقتصادي والسياسي, وثانيا إلي العوائد المتوقعة علي الاستثمار, وثالثا إلي سهولة ووضوح الإجراءات القانونية والإدارية. وفيما يخص البند الأخير فإن أسباب هجرة رأس المال من البلاد العربية, تعود إلي كثرة القوانين وتضاربها وغموضها, وعدم وجود تشريعات لحماية رأس المال المستثمر, وعدم وضوح سياسات الإعفاء من الضرائب, إضافة إلي البيروقراطية والروتين, ونقص الخبرات والكوادر الفنية المتخصصة, وعدم وجود دقة في البيانات والمعلومات الرسمية. وتتعدد أشكال هجرة رأس المال العربي والتي منها أساليب غير مشروعة مثل السرقة والرشوة إضافة إلي الفساد الاقتصادي وعمليات غسيل الأموال وجرائم التهريب خصوصا عبر المجال غير المصرفي, مثل إنشاء الشركات الوهمية, والتحويلات المالية عن طريق مكاتب التحويل غير المصرفية, والمضاربة في الأسواق المالية, والدخول إلي الاستثمار في الأسواق العقارية وتجارة الذهب وصالات القمار وشراء المشروعات الخاسرة, إضافة إلي الحسابات السرية في البنوك الغربية. وحول الآثار السلبية المترتبة علي هجرة رأس المال العربي, تشير الأرقام المتوافرة إلي أن حجم الأموال المهربة إلي الخارج بلغت(56 مليار دولار في السودان, و(27 مليارا) في تونس, خلال الفترة من2005:2008, إضافة إلي المغرب(35 مليارا), وعمان(28 مليارا) عن نفس الفترة, بينما يمكن إدراج مصر ولبنان في عداد الدول المتوسطة, حيث بلغت الأموال المهربة من مصر(19.9 مليار), ومن لبنان(17.5 مليار), ومن اليمن(6,1 مليار), وجيبوتي(1,1 مليار) دولار. وتشير الأرقام أيضا إلي أن نسبة الزيادة في حجم المديونية الخارجية منسوبة إلي الأموال المهربة بلغت في تونس87%, وفي السودان99.8%, وفي مصر82.2%, وفي لبنان85.1%, بينما بلغت في اليمن73%, و84.7% في جيبوتي خلال نفس الفترة. وأدي تهريب رؤوس الأموال العربية إلي الخارج إلي حرمان هذه البلاد من الفوائد الإيجابية, التي يمكن أن يحصل عليها المجتمع, والتي تتمثل في القيمة المضافة إلي الدخل القومي, وتشغيل العمالة, وعلاج مشكلة البطالة, وأيضا زيادة الفجوة بين مستويات الدخول في المجتمع, إضافة إلي عجز المدخرات المحلية عن الوفاء باحتياجات الاستثمار, واتساع نطاق الفجوة التمويلية. ويناقش الكتاب آليات عودة رأس المال العربي وفرص إعادة توظيفه, حيث يشير المؤلف إلي أن الأصوات التي تتصاعد, للمطالبة بعودة الأموال العربية تعود إلي ثلاثة دوافع رئيسية هي الاستفادة من هذه الأموال في تمويل عملية البناء الاقتصادي في المنطقة العربية, والخشية علي هذه الأموال من مخاطر البقاء خارج حدودها الإقليمية, والحزن لذهاب هذه الأموال لإفادة اقتصاديات, يتسبب المزيد من تقدمها, في مزيد من التخلف للاقتصاديات العربية. ويؤكد المؤلف علي أن النجاح في جذب الأموال العربية المهاجرة يتطلب إصلاحا سياسيا واقتصاديا مع معاملة رأس المال العربي المستثمر في أي دولة عربية كرأس مال وطني, مع إعطائه بعض المزايا والحقوق الإضافية, خاصة في قطاعات التنمية, علاوة علي طرح مشروعات عربية مشتركة, كي تلعب دورا مهما في جذب رؤوس الأموال العربية, واستثمارها في بلادنا. ويقترح المؤلف توجيه مزيد من التمويل للفرص الاستثمارية المدروسة داخل الدول العربية والإسلامية, في قطاعات النشاط الصغير والمتوسط. وتنويع قاعدة النشاط الاقتصادي الذي يتم توظيف فائض بعض الدول فيه, بما يتسع لأنشطة أخري, ذات ربحية متوقعة جيدة. إلي جانب إنشاء صناديق تتخصص في عمليات رأس المال المخاطر, وذات رؤوس أموال تسمح لها بالدخول بفاعلية في عمليات الخصخصة إضافة إلي إنشاء كيان منبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أو غيرها, يتولي إعداد دراسات عن فرص الاستثمار في الدول العربية والإسلامية. رابط دائم :