نال الإعلام خلال الأحداث السياسية التي شهدتها مصر علي مدار الأسبوعين الأخيرين حظا وافرا من الاتهامات بالتحريض وإثارة البلبلة, والسعي لهدم الشرعية والالتفاف علي إرادة الشعب, ودفع ذلك البعض إلي القول إن هناك حالة انفلات إعلامي تؤجج نار الصراع بين النخب السياسية من ناحية, وتقسم الشارع الي فريقين متناحرين من ناحية أخري. ومابين حرية سعي الإعلام بوسائله المختلفة إلي رفع سقفها, وضمان عدم التعرض لها أو الانتقاص منها في الدستور الجديد,وبين لائحة الاتهامات التي تطارده,يبقي الإعلام الموجه الأول للرأي العام والبوصلة التي تحرك عقول البسطاء إلي الاتجاه الذي يريده القائمون بالاتصال..وهنا يكمن الخطر. كلهم يعملون وفق أجندات خاصة, ليس هناك أحد بريئا..هكذا يقيم محمود حنفي(47 عاما) مدير مدرسة, أداء القنوات الفضائية التي خصها وحدها دون باقي الوسائل الإعلامية بأنها تنقل للمشاهد آراء مالكيها الشخصية ورؤيتهم للأحداث ومايريدونه أن يصل إلي المتلقي لا مايريد أن يجده من تغطية محايدة تعرض وجهتي النظر. ويدلل الرجل التربوي علي مسماه عدم النزاهة في أداء الفضائيات بأن هناك عددا غير قليل من الإعلاميين يحملون كارنيهات العضوية لكيانات سياسية ويشغلون مواقع قيادية في أحزاب هي في الأساس أحد عناصر الصراع علي الكعكة السياسية حسب تعبيره ومضي مدير المدرسة يقول: في لحظة مايجد المشاهد نفسه ضائعا وسط المشهد السوداوي الذي تفرضه عليه الفضائيات ببرامجها التي تمطرنا بها, ويزداد الوضع سوءا بتدخل المحاور أو مقدم البرنامج ليدلي بدلوه ويطرح رأيه الشخصي وينفعل وكأنه ضيف علي نفسه فيأخذ مساحة من وقت البرنامج ربما أكثر من ضيوفه الذين جلبهم لتبصير الرأي العام, فينتهي الأمر بتضليل ومزيد من الحيرة والضبابية..إلي هذا وصل إعلامنا. والحل لتلك الفوضي, كما يسميها محمود,أن تكون هناك منظومة حساب تكفل تطهير الإعلام من المغرضين وأصحاب الأجندات, وأن تضع الدولة من التشريعات مايكفي لردع من يستغل قناته منصة لتصفية خصومه والنيل منهم وتشويههم حسب قوله. ويحمل المشاهدون القنوات الفضائية المسئولية عما يسمونه نظرية المؤامرة ويرون أن95% من الفضائيات عميلة ومستأجرة وتسعي إلي هدم الدولة ولايهمها إلا المصالح الشخصية ولو كان علي حساب البلد كما يقول عبد النبي عبده(50 عاما) الذي يتهمها بأنها تتلقي تمويلات خارجية والعهدة عليه, من أجل أن تظل مصر غارقة في مشاكلها ويتولون هم الحفاظ علي المشهد السياسي غارقا في صراعاته والسفينة تتقاذفها أمواج الخلافاتولم يعف عبد النبي التليفزيون الرسمي من المسئولية والتقصير, ويقول إنه غير قادر علي إحداث توازن مع السيل الإعلامي الذي يغرق الرأي العام من تلك القنوات مطالبا بإدارة قوية لتليفزيون الدولة تحمي المشاهد, صاحب الملكية في هذا الجهاز,مما وصفه بالعبث والثرثرة التي لانرجو منها خيرا علي حد قوله ويري عبد النبي أن قيادات التليفزيون مرتعشة الأيدي وتتباطأ في تطهيره وإعادة هيكلته مراعاة لمراكز قوي ليس من مصلحتها أن يقف إعلام الشعب في وجه الإعلام المغرض كما يقول. وأمام شاشة جهازه الذي يشاهده وهو يمارس عمله في المغسلة التي يمتلكها يصمم أشرف الشناوي(49 عاما) أن التليفزيون الرسمي لايمكن إعفاؤه من الاتهامات الموجهة للقنوات الفضائية ويؤكد إنه يشاهد قنوات تليفزيون الدولة طوال اليوموأري أنها تقع في نفس الخطأ الذي تقع فيه الفضائيات, فإذا كانت الفضائيات الخاصة تستخدم للتخديم علي مصالح مالكيها فإن تليفزيون الدولة هو الآخريبدو منحازا للإخوان ويسلط عليهم الضوء أكثر من غيرهم من باقي القوي السياسية حسب تعبيره. ويضيف الشناوي: إعلامنا مازال يفتقد عرض وجهتي النظر والحقيقة كاملة وهذا ينطبق علي الإعلام الرسمي والخاص, وحتي إذا لجأنا للإعلام الأجنبي فهو أيضا له أجندات ولايري إلا نصف الكوب الفارغ ولايركز إلا علي السلبيات. ويدعو الشناوي وسائل الإعلام إلي ألا تنفخ في النار وتنقل الحقيقة كاملة وتبتعد عن الأحداث التي تشعل الفتن في المجتمع. الناظر الي المشهد الإعلامي في مصر يجد حالة من السخط علي وسائل الإعلام برمتها, حيث لم يستثن الناقدون والناقمون علي الإعلام الصحف كوسيلة مازالت تحتل موقعا مهما الي جانب الفضائيات في توجيه الرأي العام سلبا وإيجابا,ويري محمد رأفت(27 عاما) محاسب بأحد البنوك في وسط العاصمة, أنها أي الصحف,تشترك بصورة فاعلة في المزايدة علي الأحداث والوصول بها إلي حالة من السخونة تربك المجتمع وتصيب المواطنين بالهلع وتقرأ من عناوينها النارية, سواء كانت صحفا قومية أو خاصة, أن البلد قارب علي السقوط وأن الشعب أوشك علي الهلاك. ويسرد رأفت ما يسميه سياسة التسخين التي تتبعها الصحف بقوله: تقرأ عنوانا يقول إن مصر في خطر فيقشعر بدنك وتنتقل إلي تفاصيل الخبر فتجد أن الامر لا يتجاوز معركة كلامية بين فئتين من النخبة واختلافا سياسيا لا يتجاوز الحناجر.. وهكذا تمضي الصحف في المبالغة ولا يجني الرأي العام منها سوي البلبلة واليأس بالاضافة إلي الجرعة اليومية التي يتعاطاها من الفضائيات. أما أسامة عبد النبي(31 عاما) مدير موارد بشرية بإحدي الشركات الخاصة, فيري أن الاعلام بنسبة كبيرة موال لنظام مبارك ويعتبر امتدادا للدولة العميقة التي مازالت تقاتل لاستعادة مجدها المفقود. ويضيف: هناك حملات تشويه متعمدة للتيار الاسلامي لإظهاره بأنه يريد العودة بالمجتمع إلي عصور الظلام, دون التحلي بآداب الخلاف السياسي وإذا استمر الحال علي ما هو عليه سوف يدفع الإعلام مصر إلي نفق مظلم لن تخرج منه قبل سنوات طويلة. وتابع: الإسلاميون ليسوا ملائكة وإنما بشر يخطئون ويصيبون, والوطنية تقتضي تقويم من يتولي شئون البلاد لا إفشاله وإصلاحه ومساعدته لا تشويهه من خلال حملات الإعلام الممنهجة والمفضوحة, كما يسميها. ويؤكد أحمد طلعت(25 عاما) سائق تاكسي إن الصورة ليست سوداء تماما, مشيرا إلي أن هناك قنوات جيدة تنقل الأحداث بصدق وموضوعية وأخري تدس خلطتها في التغطية التي تبثها, وتشعل الأحداث لغرض في نفسها, أما التليفزيون المصري, فهو علي حد قوله مازال ينافق السلطة ولذلك فهو خارج نطاق الخدمة. ويطالب سائق التاكسي بألا تكون الحرية الممنوحة للإعلام مطلقة وإنما يجب أن تكون حرية مسئولة ينظمها القانون ليكون سيفا مسلطا علي من يتجاوز حدود الأدب ويستغل الظهور أمام الرأي العام لتشويه الناس وسبهم وإلصاق التهم بهم بالحق وبالباطل, علي حد تعبيره. ويطالب أيمن عبد الرحيم(28 عاما) محاسب, بانتهاج سياسة إعلامية جديدة تقوم علي الحياد وتجرد العاملين في الحقل الإعلامي من الانتماءات والأهواء السياسية والحزبية أثناء ممارسة عملهم, مؤكدا أن الشعب المصري عاطفي ومن السهل أن يتأثر بلهجة الإعلامي الذي يريد أن يوجهه إلي تأييد فئة معينة أو شخصية بعينها. من جانبه يري الدكتور حسن علي أستاذ الاعلام بجامعة المنيا, ورئيس جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء, أن المشهد الاعلامي ملتبس وفيه قدر من الضبابية بسبب ما أرجعه إلي استخدام التيار الليبرالي لأساليب الدعاية الصهيونية في التشويش علي التيار الاسلامي واستخدام أسلوب الكذب وفبركة مقاطع الفيديو لتضليل الرأي العام. وأضاف: هناك إعلام يمتلكه رجال أعمال استفادوا من الفساد الذي استشري في مصر طوال عهد النظام السابق, وهؤلاء يمثلون طابورا خامسا يعرضون علي قنواتهم برامج التوك شو ليل نهار ويركزون علي شخصيات معينة لا يتجاوزون50 شخصا تجدهم يتنقلون بين الفضائيات المختلفة داخل مدينة الانتاج الاعلامي. وأكد رئيس جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء: هذا التشويش المتعمد من قبل فضائيات صنعت بأموال الفساد تمثل الثورة المضادة, وأدت إلي افساد الأداء الاعلامي هو الآخر ما يشهده حاليا من خرق للقواعد المهنية التي تقوم علي الحيادية والموضوعية مشيرا إلي أن هذه الظروف مجتمعة تعكس صراعا سياسيا في مجتمع مأزوم اقتصاديا واجتماعيا. وأشار إلي أن التليفزيون المصري أحيانا يكون معارضا أكثر من المعارضين أنفسهم ويتزعم معسكر المعارضة حتي يستعيد ثقة جمهور المشاهدين فيه, مؤكدا أن الحل لأزمة الانفلات التي تشهدها الساحة الاعلامية حاليا هو الالتزام بقواعد المهنة ومواثيق الشرف الاعلامي, وأن يعمل الجميع لصالح الدولة وليس لصالح فئة أو تيار وعندما يحدث ذلك ونصل إلي تلك الدرجة من الموضوعية سيتغير الأمر كثيرا, علي حد قوله.