إن حماية وترميم المعالم التاريخية والأثرية بمصر، عملية تتطلب عملا شاقا ومنهجيا على أسس علمية، تبدأ أولى خطواتها بتسجيل وتوثيق جميع المناطق الأثرية، وما تحويه من آثار ثابتة أو منقولة.
ولا شك أن المنطلق الأساسي للحفاظ على هذا التراث المصري العظيم، هو مواصلة الحوار معه لأن في ذلك ربطاً للماضي بالحاضر، وتطلعاً إلى مستقبل مزدهر ومتطور، لكننا لا نستطيع أن نغفل أن هناك من ينظر إلى التراث نظرة سلبية يرى فيه دلالةً على عدم توافق الآثار الفرعونية مع معتقداته لذلك فمن الضرورى التخلّص منها. ومن ثم فإن إجراء الحوارات مع هؤلاء من قبل المتخصصين للتعريف بأهمية هذا التراث العظيم ودوره فى استمداد العظة والاتعاظ من الماضى، هو ضرورة ناهيك عن دورها الثقافي والاقتصادي، كما أن ثقافة الأمم تقاس بقدرتها على استيعاب التراث الحضارى والقيام بما هو واجب للحفاظ عليه من عوامل الزمن والتخلف الحضارى. والمؤكد أن حماية وترميم وصيانة ذلك التراث، يعبر عن الاحترام لما خلفه أجدادنا من آثار هى مبعث للفخر والاعتزاز ودليلاً على عراقة وأصالة الأمة المصرية، وهو معبّر عن الهوية الوطنية وصلة وصل بين الماضي والحاضر يتجلى ذلك في كونها تراثاً أصيلاً يتصل بشخصية الأمة ويعطيها الطابع المميز لها, كما يرتفع بالذوق العام بالمجتمع، وينمى الحس الإبداعي لدى المواطنين ويكون حافزا لتقدم الأمة فى مجالات العلوم والفنون. وقد دفع ذلك المسئولين إلى الاهتمام بالتراث وحمايته، إلا انه من المؤسف حتى الآن هذا التراث عرضةً للضياع والسرقة والنهب المنظم والعشوائي من قبل أفراد فقدوا انتماءهم لوطنهم، للحصول على مكاسب مادية هى ضئيلة بكل المقاييس إذا ما قورنت بأهمية وقيمة هذه الآثار العظيمة، التى تحكى جزءا من صفحات تاريخ مصر، ولا زالت هذه العصابات تعمل حتى الآن دون وازع أو رادع. وحتى وقت قريب كانت القوانين الرادعة لكل من تسول له نفسه بيع أو شراء آثر أو حفر أو نبش أو التعدى على المخازن التى تحوى الآثار، ضعيفة جدا وكانت تصنف هذه الجريمة على أنها "جنحة"، ما جعل الكثيرين يتعدون على تراث مصر دون رادع من القانون. وبالتالي يجب أن تسارع وزارة الدولة لشئون الآثار من ناحيتها فى عقد الاتفاقيات الدولية للمساعدة في صيانة وحماية المعالم التاريخية والتراثية بمصر؛ حيث أن حماية التراث المصرى يخدم قضايا وطنية مهمة، منها إنماء المعلومات التاريخية، و الاقتصادية فهي تؤلف مادة جوهرية للصناعة السياحيّة. ومن منطلق أهمية التراث المصرى لدى الأمم جميعا، فقد أصبح هذا التراث لا يخص مصر وحدها، وهذا ما حدا بالمنظمات الدولية المختصة بالتراث إلى المساعدة في إنقاذ كثير من الآثار المهددة بالغرق، أو المهددة بالمشاريع الإنمائية التي تقيمها بعض الدول. كما حدث حين شيد السد العالي، حيث أطلقت منظمة اليونسكو الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة من الغرق فى مياه بحيرة ناصر ولا زال التعاون مستمرا حتى الآن لحماية وترميم وصيانة الآثار المصرية بكل أنواعها الفرعونية والقبطية والإسلامية. حفظ الله آثار مصر التى هى دليل على عمق أصالتها وحضارتها، لتكون نبراسا لها لإنارة طريق المستقبل. رابط دائم :