ألف باء الالتزام والانضباط ان يكون المذيع في أقصي دراجات الانتباه واليقظة وهو يستعد لقراءة نشرة الاخبار أو عندما يقوم بتقديم فقرة من فقرات البرامج التي تبث علي الهواء, هذا ما تعلمناه من أصول المهنة عند التحاقنا بالاذاعة, وكان النور الأصفر عندما يضئ في الاستديو فإن ذلك يكون إشارة إلي الصمت التام من المذيع وضيوفه سواء كانوا متحدثين أو مطربين مع فرقهم الموسيقية حيث كانت أغنيات السهرة تذاع علي الهواء مباشرة واذا ما اضئ النور الاحمر فمعني ذلك ان الأثير يستقبل مباشرة المادة المذاعة, ومع ذلك فإنه كانت تحدث بعض الزلات وبعض الأخطاء مما كان يتسبب في خروج الفاظ وكلمات علي الهواء مباشرة وكانت هذه الكلمات تسبب حرجا لقائلها خاصة وللاذاعة عامة, وعادة ما كان يؤدي الخطأ الهندسي كأن يحدث خلل في الميكروفون إلي خروج هذه الالفاظ عبر الأثير وتصطك بها أذن المستمع الذي ينحي باللائمة علي المذيع وهو منها برئ أقول ذلك وأسرد بعض الوقائع في هذا الشأن في سياق ما حدث منذ بضعة اسابيع من المذيعة بثينة كامل قارئة النشرة بالتليفزيون عندما علقت علي إقالة مدير أمن شمال سيناء من منصبه وتعيين مدير أمن جديد قائلة شالوا ألدو وجابوا شاهين والجملة مقطع من منولوج للثلاثي جورج سيدهم وسمير غانم والضيف أحمد صنع جانبا من شهرتهم في مطالع ستينيات القرن الماضي متفكهين فيه بنجوم كرة القدم في تلك السنوات البعيدة وأصبح هذا المقطع مثلا يضرب كلما فشل مسئول في أمر ما وجئ بآخر بدلا منه وازعم ان الخطأ مزدوح فطاقم الإخراج يتحمل مسئولية فتح الميكروفون قبل ان يستتب الأمر في الاستديو والمذيعة خانها التوفيق في ترديد هذا المثل الذي فيه قدر كبير من التهكم علي القرار ما كان يجب ان يصدر من مذيعة لها تاريخها الطويل امام ميكروفون الاذاعة ثم بعد ذلك امام الشاشة واذا كان المسئولون في التليفزيون قد أحالوا الأمر إلي جهة التحقيق وأبعد المذيعة عن قراءة النشرات بعض الوقت فإن ذلك يذكرني بحادثة وقعت منذ ستين عاما تقريبا لواحد من أساتذتنا كان مذيعا رائعا وقارئ نشرة متميزا وصاحب برامج اذاعية مازالت عندما تذاع فإنها تذكرنا بماض جميل للاذاعة المصرية الاستاذ هوحافظ عبدالوهاب وكان يذيع برامج السهرة التي تبدأ من الساعة الثامنة والنصف مساء وحتي انتهاء الاذاعة, فقد حدث انه أعلن عن تقديم اغنية من الاغنيات في زمن كانت الاغنيات مسجلة علي اسطوانات وعندما أنزل الأبرة علي الاسطوانة حدثت خشخشة وظلت الجملة الموسيقية تتردد والابرة لا تنتقل من مكانها بسبب تآكل الاسطوانة حاول استاذنا ان يجرب الأبرة من أول الاسطوانة ولكن دون جدوي وهنا خرج من فمه لفظ جارح يلعن الاسطوانة والأبرة معا ولسوء الحظ لم يكن استاذنا قد أغلق الميكروفون تماما فتناثر اللفظ عبر الاثير وجاء المهندسون يجرون من غرفة المراقبة واغلقوا الميكروفون وكانت لحظة كارثية لم يقرأ بعدها استاذنا أي نشرة اخبارية مكتفيا بعمله مديرا لادارة الموسيقي والغناء نفس الأمر حدث معي ففي احدي نوبات السهرة كان المتحدث الاستاذ عدلي المولد وكان في ذلك الوقت سكرتيرا لوزير الدولة المشرف علي الاذاعة في وزارة الوفد التي جاءت إلي الحكم سنة1950 كما كان سكرتيرا عاما للمجلس الاعلي للاذاعة وكان له حديث اسبوعي يلقيه قبل نشرة اخبار الساعة الحادية عشرة مساء وعقب ان انهي حديثه وقمت بتقديم النهاية وأن الحديث عن كذا وأن صاحبه هو فلان وأغلقت الميكروفون وتبادلت معه بعض الكلمات مودعا له وهو يخرج خارج الاستديو كان الميكروفون رغم غلقه به عوار ادي إلي خروج كلمات التوديع وصوت الباب وهو يفتح وهو يغلق وجاء المهندسون يجرون وأصلحوا العطل وكتبوا تقريرا مؤداه أن الميكروفون كان مغلقا ولكن العطل الذي أصابه جعله مفتوحا وحدث ما حدث كان رئيس الاذاعة في تلك الأيام حسني بك نجيب شقيق الممثل ومدير الاوبرا سليمان نجيب وسمع ما حدث وفي الصباح استدعوني إلي مكتبه وقبل ان ينهرني عرض عليه سكرتيره تقرير الهندسة فابتسم وقال مترحبش تاني بحد من ضيوفك في الاستديو.