إذا كان البعض يعتقد أن الجماد له طول وعرض وارتفاع وثقل ولكنه يعتبر كتلة مصمتة في رأيهم فلا ينمو كالنبات ولا يتحرك كالحيوان ولا يفكر كالإنسان إلا إن العلم والمعرفة والواقع يقول ان الجماد هو الأصل في هذه الحياة ومنه خلقت سائر الكائنات الحية بالرغم من اعتقاد البعض أن الجماد ليس به حياة. فالظاهر يقول للناس إن الجماد كتلة صامتة لا حراك فيها ولا حياة بالرغم من أن باطنه يتكون من جزيئات تتحرك وتحس وتشعر وتتجاذب لبعضها البعض من خلال علاقة كيميائية تربط هذه الجزيئات مع بعضها البعض فهو له إرادة وله حركة وله إحساس من خلال حركة البروتونات والإلكترونات والنيترونات التي تسبح في مدارات حول النواة فتكسبها القوة والحركة والإنضباط. فالماء يعتبر جزءا من الجماد ويتكون من عنصري الأكسجين والهيدروجين الذي خلق منه الكون كما تقول بعض النظريات الحديثة عن الإنفجار الكوني العظيم الذي علي أثره خلق الكون ومنه خلقت الحياة بهذا الشكل المعجز الذي ليس له مثيل. وإذا كان العلم الحديث قد توصل إلي حقائق كثيرة تؤكد أن الجماد ليس كما مهملا أو شيئا مصمتا أو كما نعتقد وأن حركة الذرات والجزيئات التي تكونه في حركة دائمة ولها إرادة ولها عاطفة وهي تحس وتشعر فإن القرآن الكريم قد أكد علي هذه الحقائق العلمية منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة قال تعالي:( إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) الأحزاب72 وهذا معناه أن السموات والأرض والجبال تمثل جزءا لا يتجزأ من الجماد يسمع ويشعر ويحس ويفكر ويعقل وله حرية الاختيار, لأن العرض الذي عرضه الله سبحانه وتعالي علي السموات والأرض والجبال كان يعني في فحواه القبول أو الرفض, ولكن كانت النتيجة غير المتوقعة أن السموات والأرض والجبال كان لها رد واضح وصريح علي هذا العرض فأبين أن يحملن هذه المسئولية الخطيرة وأشفقن من حملها. وذلك بالرغم من عظم خلق السموات والأرض وعمرها المديد الذي يصل إلي خمسة عشر مليار سنة منذ الإنفجار الكوني العظيم مما يعني تمتعها بخبرة طويلة وكياسة وحكمة واقتدار إذا أخذنا بعين الاعتبار قيمة وأهمية هذه الفترة الزمنية من عمر الكون فإن قدرتها في الحكم علي الأمور كانت أكثر حنكة من الإنسان الذي يعيش فترة محدودة من الزمان بعد أن جعل الله أدم خليفة في الأرض يخلفه إبنه علي ميعاد في سلسلة متصلة الحلقات. فحتي قصر الفترة الزمنية التي يعيشها الإنسان علي الأرض جعلته عرضة لكثير من التغيرات المادية والمعنوية والتي تحكم علي بشريته كإنسان, فخانته قلة خبرته وسطحيته في الحكم علي ظاهر الأمور دون باطنها فكان قبوله بتحمل الأمانة سيفا مسلطا علي رقبته بعد أن شعر بالفرح والنشوة فسعي إلي تحمل الأمانة دون تقدير للعواقب المترتبة علي ذلك والتي ألمت به فظلم نفسه بعد أن فشل في التواصل مع ربه فكان الفساد وكان الظلم والطغيان الذي جعله في خبر كان. ومن هنا نجد أن العقل والحكمة التي تتميز بهما السموات والأرض والجبال مما جعلهم يفضلون الأنقياد والاستسلام لأمر الله وقبول ما يقدره الله لهم والذي ظهر جليا في عدم قبول السموات والأرض لتحمل هذه المسئولية وعواقبها التي قد تؤدي إلي انحرافها عن المسار الذي رسمته لنفسها, أما الإنسان المختال بنفسه رسب في أول اختبار مما يدل دلالة قطعية علي قصر نظره وعدم قدرته علي تقدير العواقب المترتبة علي ذلك فكان كل هذا الفساد وسفك الدماء التي يرتكبها الإنسان في حق أخيه الانسان, بل وانعكس ذلك أيضا علي عبادته ومعاملاته التي أصبحت من قبل التمثيل والتي لم تترك أثرا يذكر علي الظاهر فما بالك بخراب الباطن الذي ليس له مثيل.