توثيق التراث العسكري لحرب أكتوبر هو أمنيتي وندائي, واحتار حين أجد الكتب والمذكرات وروايات الأدب( العبري) قد سجلت الحرب من وجهة نظر الاعداء اكثر مما فعلنا. ولذا كانت سعادتي بالغة أن أجد دار الهلال وقد خصصت ثلاثيتها الشهرية( المجلة والكتاب والرواية) لتوثق حرب اكتوبر, فجاءت احتفالا ثقافيا رصينا بهذا الحدث, وهدية جميلة إلي الشعب المصري في عيد الأضحية والتضحية. * رواية الهلال( موسم العنف الجميل, للأديب فؤاد قنديل) بطلها عبدالتواب, الضابط العائد من صحراء سيناء منتكسا مدحورا مهموما, تاركا ابني خاله اللذين استشهدا في صحراء سيناء. بين الخال الذي يشرف علي الجنون انتظارا لعودة ولديه, والأسرة الريفية, ورفاق السلاح, وبين ربوع القرية وجبهة القتال تدور أحداث الرواية, وتوثق لحرب الاستنزاف والأدوار المتكاملة لأفرع الجيش, لأنه بالميج21 اسقط طائرتي فانتوم تلقي عزمي تحية خاصة امتدت إلي القوات الجوية. قال سمير معترضا, الدفاع الجوي هو الذي خلص مصر من هجمات الطيران الاسرائيلي التي كانت تبلغ أسوان ونجع حمادي وضربت عمال أبو زعبل واطفال بحر البقر. وقال فخر اسمحوا لي أصحح معلوماتكم, حرب الاستنزاف خلال سنتين كانت تقوم علي المدفعية حتي سميت حرب المدفعية. قال عبدالتواب لقد نسيتم رجال المشاه الذين حققوا أكثر من200 ليلة عبور وأسروا من الاسرائيليين عددا كبيرا وتركوا الباقي في قلق وذعر]. تستمر الرواية بمشاهدها الإنسانية, فيقتل عبدالتواب الجندي الاسرائيلي المتسلل إليه من الخلف, ويتأمل وجه الشاب وتحدث مواجهة ساكنة ومحادثة ساكتة بين الاسرائيلي الذي ذهب إلي عالم الموت والمصري الذي يدافع عن الحياة والأرض والعرض, وتنتهي الرواية بملحمة العبور. * أما كتاب( صائدو الدبابات) فهو كتاب وثائقي يمزج الأحداث العسكرية بالمواقف الإنسانية بأسلوب أدبي ممتع. يتتبع الكتاب الجندي محمد المصري نموذجا, يتسلق مع زملائه الساتر الترابي, يصل إلي منطقة تمركزه في وادي النخيل بسيناء, يحمل صندوق التحكم وزميلاه يحملان الصواريخ, يحفر كل واحد لنفسه حفره برميلية تساوي طوله للاختفاء والتمويه. الصاروخ الذي يدور حول نفسه بطريقة حلزونية يتم توجيهه بعصا التحكم المثبتة في جهاز الإطلاق, ويتطلب الأمر دقة الجراح في التنفيذ, وحساسية المايسترو في التوجيه. دبابات العدو تتقدم, يطلق المصري الصاروخ ويقوم بمتابعته بالعين المجردة, ثم بالمنظار ليوجهه, ثم يكتم النفس تماما, اصطدم أول صاروخ بالدبابة وخرج لسان من النار ارتفاعه مائة متر, هتف القائد صلاح حواش( مسطرة يامصري) فالصاروخ مر في خط مستقيم. عمد المصري إلي تدمير الدبابة الأخيرة لكي يحاصر بقية الدبابات. واستطاع في ذلك اليوم( السابع من أكتوبر1973 م) تدمير ست دبابات للعدو. وزادت حصيلة الدبابات المدمرة للعدو في نفس المنطقة لوجود طاقم عبدالمعطي عبدالله عيسي علي اليمين وطاقم شفيق فخري سوريال علي اليسار. جاء النقيب فتحي خالد ليصطحب معه المصري ليجد نفسه أمام العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية, استقبله وكان يجلس معه ضابط اسرائيلي أشعث أغبر متهدل الثياب, أشار العميد إليه قائلا إنه العقيد عساف ياجوري قائد اللواء190 مدرع الاسرائيلي, وقد طلب أن يري المقاتل الذي دمر دبابته, وقف عساف وأدي التحية العسكرية للبطل المصري الذي عاد منتشيا وسعيدا وحكي لزملائه فقاموا بتسلق النخيل لجمع البلح والرطب احتفالا بالمناسبة مع الحرص ألا يسقط البلح في الرمال حتي لايتم غسله بالمياه وهي عزيزة جدا. سقط شفيق سوريال من فوق النخلة في عتمة الليل وكادت اللهفة تقتل زملاءه خوفا عليه, ولكنه قال لهم لاتخافوا البلح معايا ونظيف كمان, استدعي المشير أحمد اسماعيل المصري وأخبره أنه سيكون في صحبته لزيارة بيت الرئيس السادات وشدد عليه ألا يصافح الرئيس إلا إذا بادر الرئيس بالمصافحة وألا يفتح أي موضوعات وأن يرد علي قدر السؤال. في المنزل المطل علي النيل انتظرا, فجأة قال الحاجب السيد الرئيس فقال المشير: رقيب مجند محمد ابراهيم عبدالمنعم المصري يافندم, ففتح السادات ذراعيه واحتضن المصري أهلا يابطل. جلس المصري علي مائة الغداء بين الرئيس والمشير وفي مواجهة( الشوك والسكاكين) وشعر السادات باضطرابه فقال له ضاحكا يامصري احنا فلاحين زي بعض وانت في بيتك كل بإيدك وأنا هاكل بإيدي. كان هذا التكريم إضافة إلي نجمة سيناء من الدرجة الثانية. هذا واحد فقط من صائدي الدبابات. * أما المجلة فعلي الغلاف تقرأ( أبطال وشهداء) وتطالع قصص البطولة في الجو والبحر والأرض, الشهيد طيار سليمان ضيف الله وحروب الطائرات, والضابط البحري عبدالمجيد عرب صائد الغواصات, والبطل ابراهيم الرفاعي والمجموعة39 واقتحاماتها الانتحارية خلف خطوط العدو. ثم يتناول الكتاب سينما أكتوبر بين الغياب والتغييب, والشعر والأغاني حين تكون طربا وسلاحا, ورصد الكتاب الفرشاة المقاتلة حين ترسم لوحات الدم والبطولة, وصورة الحرب في بلاد الغرب من خلال رسائل القناديل بين أفراد أسرة مصرية يدرس إبنها في الخارج. الثلاثية مضفرة بإتقان, تكمل بعضها بعضا, تستحق القراءة لتبلل الريق وترطب القلب الظمأن إلي أيام العزة والكرامة والنصر. جامعة الإسكندرية