تتزامن هذه الأيام مع ذكري ميلاد واحد من أهم مؤلفي الموسيقي الكلاسيكية العالمية وهو الفرنسي( جورج بيزيه) صاحب الإنتاج الفني الذي مازال يحيا في وجدان كل محبي الموسيقي في العالم رغم قصر حياته التي امتدت من عام1838 إلي1875 إلا أنه استطاع أن يخاطب الجماهير بمؤلفاته التي تتسم بالبساطة وتلمس المشاعر بلا أي تعقيدات فنية صارمة. وقد نشأ بيزيه في أسرة فنية حيث كان والده مدرس للغناء ووالدته عازفة بيانو موهوبة, لذا تعلق الطفل بالموسيقي والفنون منذ سنواته الأولي, مما دعاه للالتحاق بمعهد كونسير فتوار باريس وهو في التاسعة من عمره,و وتعلم علي أيدي أساتذة ومؤلفين محترفين وحصل علي الجائزة الأولي في العزف علي آلة البيانو وهو في الرابعة عشر من العمر, وقبل تخرجه كتب أول سيمفونية عام1857 أي لم يتجاوز العشرين. واهتم بيزيه بشكل مباشر بالكتابة الموسيقية والتزليف وخاصة في مجال الأوبرا حيث كتب أوبرا ايفن الرهيب وأوبرا صياد اللؤلؤ رغم عدم قبولهما الجماهيري في البدايات إلا أنهما من الأعمال الأوبرالية المحببة لدي المنشغلين بهذا الفن إلي الآن. أما أوبرا فتاة بيرث الجميلة فكانت أول عمل أوبرالي حصل علي إقبال جماهيري منذ العرض الأول حيث عبر عن مهارته في الكتابة الموسيقية والأوبرالية. وبالإضافة للأوبرات الشهيرة فقد اهتم بكتابة الأوبرا الهزلية بوفا ودون بروكوبير, وكثير من الأعمال السيمفونية وافتتاحيات الأوركسترا ومؤلفات البيانو والتي لاقت جميعها تجاوب فطري من محبي فنه الراقي. كما كتب سيمفونية روما بعد أن حصل علي منحة دراسية وظل بها لمدة ثلاث سنوات, وكان للمتتالية الموسيقية الرائعة الارليزيان صدي جماهيري وشعبي لا حدود له بعد تقديمها ولازالت تلقي هذه الحفاوة وهذا الاقبال عند تقديمها في كثير من الحفلات الموسيقية المختلفة. أما آخر مؤلفاته الموسيقية وأكثرها إبداعا فكانت أوبرا كارمن التي وضع موسيقاها علي قصة الكاتب بروسبير بريميه والتي تحمل نفس الاسم, واستطاع فيها أن يعبر عن الحياة الاسبانية التي تناولتها القصة وحالة الحب الدائر فيها, كما عبر بموسيقاه عن المشاعر الانسانية الكامنة داخل النفس البشرية بكل ما فيها من تنازع وصراع وغيره من خلال التنويع اللحني وبساطة الكتابة الأوركسترالية رغم ما تتمتع به من إحكام وسيطرة بالغة علي أساليب التأليف مع المهارة في التوزيع الأوركسترالي. وبعد مرور كل هذه السنوات علي كتابة أوبرا كارمن إلا أنها مازالت تتصدر الأوبرات العالمية في جميع دور الأوبرا في الشرق والغرب حيث تخلب عقول وقلوب المشاهدين أينما وجدت في أي محفل من المحافل الموسيقية رغم أن بيزيه لم يشهد هذا النجاح حيث توفي بعد العرض الأول لها بثلاثة أشهر فقط, ولكنها استطاعت أن تحقق ما توقعه الموسيقيين في ذات الوقت, حيث عبر المؤلف العظيم تشايكوفسكي عن إعجابه بكارمن من حين قال ستصبح كارمن الأوبرا الأكثر شعبية. وقد كان حيث بني علي أساس هذه الأوبرا كثير من الأعمال الإبداعية( الأفلام, المسلسلات, المسرحيات) نظرا للنجاح الجماهيري العالمي. واستطاع بيزيه رغم عدم تجاوزه الأربعين أن يترك للحياة الفنية والثقافية أعمالا إبداعية تظل خالدة وليكفينا كارمن أشهر أوبرا في العالم.