انا واحد من الذين تعلموا منذ نعومة أظفارهم علي كتابات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وكنت دائما أنظر إليه كمدرسة لأساليب الكتابة الصحفية الرشيقة وهو ما جعله علي قمة من يتصفون بالكتابات السهلة الممتعة من حيث البساطة والمباشرة وصعوبة التقليد.. ويختلف الكاتب الكبير عن كثير من الكتاب لفكره الموسوعي وذاكرته الحديدية واقترابه لفترة طويلة من أصحاب صنع القرار وأيضا كشاهد علي أحداث جسام كان واحدا من المشاركين فيها بالرأي أو الحضور وهو ما يجعله متفردا ومتميزا عن جميع اقرانه من أصحاب جيله فتخطي بفكره الحدود المحلية إلي الحدود الدولية فمنح الفكر العربي والمصري شهادة المرور إلي آفاق العالم الخارجي. وكانت السمة الرئيسية لفكر هيكل تتصف بالحياد والموضوعية والبعد عن الهوي واجتناب فرض وجهة النظر الاحادية أو القناعة الشخصية علي قرائه. كل ما طرحناه يعد الصبغة الثابتة لانتاج هيكل في المراحل الأولي وبدايات مراحل تقدم العمر إلا أن المرحلة الحالية شهدت تغيرا ملحوظا يتمثل في انقلاب هيكل علي ما اعتاد عليه من موضوعية وشفافية, حيث بدأ فرض أسلوب التسليم لكل ما يطرحه علي اعتبار أن ما يقوله لا يقبل المناقشة ويعد وثيقة موثقة حتي لو كان ما يطرحه لا يتعدي أن يكون كلاما مرسلا أو إقحاما للمزاج الشخصي في التناول لما يكتب فأصبح جليا أن وجهة النظر الاحادية هي عنوان المرحلة ففقد هيكل كثيرا من ثقة قرائه وأنا منهم. وتتجلي هذه الصبغة في أسلوب طرح القضايا جلية إذا ما تناول هيكل الاشخاص وخاصة شخص الرئيس الراحل أنور السادات. وفي اعتقادي أن تاريخ هذه المرحلة فعليا بدأ بمرحلة كتابة خريف الغضب والذي أصدره هيكل بعد وفاة السادات والذي تناول فيه السادات بالتجريح والخوض في شخص الرجل فصار مداد القلم بمثابة السنة النار لحرق السادات دون الوضع في الاعتبار حرمة الموت. وأنا لا ادافع عن الرئيس السادات رحمه الله ولكن دفاعي عنه يندرج تحت مبدأ الدفاع عن رمز الوطن سواء كنت من مؤيدي اسلوبه في إدارة مقاليد الحكم أو مختلفا معه في بعض قراراته إلا أن الرجل كبشر يخطئ ويصيب لا ينكر حقيقة كونه حاكما له عبقريته وأسلوبه المتميز إلا جاحد. وللحقيقة أنا لا أدري ما السر الذي يجعلنا نتميز عن جميع شعوب العالم في تجريح رموز الوطن وخاصة إذا كنا نعلم جيدا أنه مهما اختلفنا مع حكامنا إلا اننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال ان نزايد علي وطنيتهم فكل حاكم لمصر يشهد تاريخه بأنه قدم حياته فداء لوطنه. وفي النهاية أنا أهمس في أذن الاستاذ هيكل بأن يعيد التفكير في الاستئذان عن الكتابة احتراما لتاريخه ومكانته ليبقي له دوما شيء للتاريخ. [email protected] رابط دائم :